Show Menu
True Story Award 2023

حوادث قطارات لا تتوقف في مصر السكة الحديد خارج القضبان خلال ٢٠ عاما

العياط - الجيزة
شباط / فبراير 2002
في ليلة شتوية هادئة، كان ركاب الدرجة الثالثة في القطار 832 المتوجه من القاهرة إلى الأقصر محملًا بـ 3 آلاف راكبٍ، بِزيادة 1900 راكبٍ عن سعته الفعلية. وأثناء مروره بمنطقة العياط جنوب الجيزة، سمع صوت دوي تبين أنه ناتج عن انفجار موقد غاز.
لم يدرك سائق القطار ومساعده وقوع الانفجار، إلا بعد مسافة 9 كيلو متراتٍ من مكان حدوثه، امتدت فيها النيران من عربة إلى أخرى. احترقت 7 عرباتٍ بمن فيها، وتتسبب في وفاة 361 من ركابه حرقًا وإصابة 66 آخرين.
عقب الحادث أعلن رئيس الوزراء عاطف عبيد عن خطة خَمسية لتطوير منظومة سكك الحديد في مصر.
المراغة - سوهاج
آذار/ مارس 2021
اصطدم القطار القادم من أسوان بقطار متوقف بسبب عطل فني بين محطتي المراغة وطهطا بمحافظة سوهاج في صعيد مصر؛ ليسقط 19 قتيلًا ويصاب 199 راكبًا آخرون، وتجاوزت قيمة الأعطال بالقطارين 25 مليون جنيه (قرابة 1.5 مليون دولار)، وفقًا لتحقيقات النيابة العامة.

بعد الحادث بساعات، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: "بدأنا منذ سنوات في تحديث وتطوير منظومة القطارات"، في إشارة إلى الخطة التي أعلنها ضمن برنامج حكومته أواخر 2017، مؤكدا أن حكومته رصدت مئات المليارات، ولا يزال أمامها الكثير للانتهاء من خطة التطوير بالكامل.
بين خطتي تطوير عبيد ومدبولي، أعلن رؤساء الحكومات المتعاقبة على مدار 20 عامًا عن 6 خططٍ ومشروعاتٍ لتطوير وتحديث منظومة السكك الحديد، ووفروا لها تمويلًا يتجاوز 880 مليون دولار، ورغم ذلك فشلت خطط التطوير والملايين التي أنفقت من أجلها في تحقيق أهدافها.
بالاعتماد على الأرقام وتحليل البيانات، يوثق هذا التحقيق نتائج الخطط والمشروعات الحكومية في العقدين الماضيين، لتطوير منظومة السكك الحديد، ووقف خسائرها وزيادة معدلات الأمان بها، وأسباب فشل خطط التطوير في تحقيق أهدافها.

https://arij.net/investigations/train-accidents/
https://arij.net/investigations/train-accidents-en/

26 أبريل/ نيسان 2022
حوادث قطارات لا تتوقف في مصر
السكة الحديد خارج القضبان خلال ٢٠ عاما
تحقيق: ريم علام وحمدية السيد
العياط - الجيزة
شباط / فبراير 2002
في ليلة شتوية هادئة، كان ركاب الدرجة الثالثة في القطار 832 المتوجه من القاهرة إلى الأقصر محملًا بـ 3 آلاف راكبٍ، بِزيادة 1900 راكبٍ عن سعته الفعلية. وأثناء مروره بمنطقة العياط جنوب الجيزة، سمع صوت دوي تبين أنه ناتج عن انفجار موقد غاز.

لم يدرك سائق القطار ومساعده وقوع الانفجار، إلا بعد مسافة 9 كيلو متراتٍ من مكان حدوثه، امتدت فيها النيران من عربة إلى أخرى. احترقت 7 عرباتٍ بمن فيها، وتتسبب في وفاة 361 من ركابه حرقًا وإصابة 66 آخرين.

عقب الحادث أعلن رئيس الوزراء عاطف عبيد عن خطة خَمسية لتطوير منظومة سكك الحديد في مصر.
المراغة - سوهاج
آذار/ مارس 2021
اصطدم القطار القادم من أسوان بقطار متوقف بسبب عطل فني بين محطتي المراغة وطهطا بمحافظة سوهاج في صعيد مصر؛ ليسقط 19 قتيلًا ويصاب 199 راكبًا آخرون، وتجاوزت قيمة الأعطال بالقطارين 25 مليون جنيه (قرابة 1.5 مليون دولار)، وفقًا لتحقيقات النيابة العامة.

بعد الحادث بساعات، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: "بدأنا منذ سنوات في تحديث وتطوير منظومة القطارات"، في إشارة إلى الخطة التي أعلنها ضمن برنامج حكومته أواخر 2017، مؤكدا أن حكومته رصدت مئات المليارات، ولا يزال أمامها الكثير للانتهاء من خطة التطوير بالكامل.

بين خطتي تطوير عبيد ومدبولي، أعلن رؤساء الحكومات المتعاقبة على مدار 20 عامًا عن 6 خططٍ ومشروعاتٍ لتطوير وتحديث منظومة السكك الحديد، ووفروا لها تمويلًا يتجاوز 880 مليون دولار، ورغم ذلك فشلت خطط التطوير والملايين التي أنفقت من أجلها في تحقيق أهدافها.

بالاعتماد على الأرقام وتحليل البيانات، يوثق هذا التحقيق نتائج الخطط والمشروعات الحكومية في العقدين الماضيين، لتطوير منظومة السكك الحديد، ووقف خسائرها وزيادة معدلات الأمان بها، وأسباب فشل خطط التطوير في تحقيق أهدافها.

أبرز القروض والمنح الدولية لتطوير السكك الحديد خلال الـ20 عامًا الماضية
تعتمد مشروعات سكك حديد مصر منذ منتصف القرن الماضي على القروض، ففي عام 1956 حصلت الهيئة القومية على قرض قيمته 750 ألف جنيه من صندوق توفير البريد، لمدة خمس سنوات، بفائدة مالية قدرها 4.5 في المئة لشراء جرارات الديزل.

وتزايد الاعتماد على القروض تدريجيًا منذ ذلك الحين حتى أصبحت 70 في المئة من مشروعات السكك الحديد تعتمد على القروض، وفقًا لوزير النقل السابق هشام عرفات في كلمته أمام الجلسة العامة لمجلس النواب في آذار/ مارس 2018.

في كانون الأول/ ديسمبر 2015، أوصت هيئة المفوضين بقضايا الدولة، بإلزام المسؤولين بالكشف عن ميزانيات الهيئة القومية لسكك الحديد، وحجم القروض المترتبة عليها بناء على دعوى رفعها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أمام هيئة قضايا الدولة قبل ثلاث سنوات.

أكد محامو المركز أنه لو صحت الأرقام المذكورة في مشروعات القروض مع مقارنتها بموازنة الدولة للسكك الحديد والتنفيذ الفعلي لوجب محاسبة المسؤولين إداريا وجنائيا، بسبب حوادث القطارات الناتجة عن الإهمال وعدم أمان نظام الإشارات والصيانة.
حكاية ثاني أقدم سكك حديد في العالم
عام 1854، بدأ العمل بأول خط سكة حديد من القاهرة إلى الإسكندرية؛ ليكون النواة الأولى لسكك حديد مصر التي يتجاوز طولها اليوم 9 آلاف كيلومترٍ، كأول سكة حديد في الشرق الأوسط، والثانية عالميًا بعد إنجلترا.
اعتمدت الدولة وحكوماتها المتعاقبة منذ عام 1952 في خططها لتطوير مرفق السكك الحديد على رفع كفاءة البنية الأساسية لشبكة القطارات.
وبعد 10 سنوات، صدر قرار رئيس الجمهورية (رقم 750 سنة 1963)، بالخطة الخمسية الأولى لتطوير الهيئة وفتح اعتماد مالي إضافي، لرفع استثمارات السكك الحديد، بقيمة 2 مليون و650 ألف جنيه، لمواجهة أعباء شراء 437 عربة (طراز هوبر)، و20 عربة سبنسة (آخر مركبة في القطار) لتشغيل شركة الحديد والصلب.

وفي أواخر الستينيات من القرن الماضي، وصلت السكك الحديد إلى حالة من التردي والتدهور دفعت الحكومة آنذاك إلى توقيع اتفاق مع ألمانيا لتطوير المرفق الحيوي، وكان الدعم والتمويل الألماني من خلال مشروعات تقدمها وتنفذها الشركة الاستشارية الألمانية (D consult)، كما يروي الدكتور حمدي برغوث خبير النقل الدولي، الذي أرجع سبب التدهور والتردي خلال هذه الفترة إلى إهمال عمليات الإحلال والتجديد والصيانة.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، اشترطت الحكومة الألمانية تحقيق الإصلاح التدريجي لاقتصاديات السكك الحديد؛ من أجل الاستمرار في تقديم الدعم، كما يحكي "برغوث"، وكان ذلك مرهونًا بحدوث توازن مالي بين الإيرادات والمصروفات خلال 10 سنوات، من خلال زيادة تعريفة النقل تدريجيًا، وهو ما لم يتحقق لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، بحسب خبير النقل الدولي.

وعليه، امتنعت الحكومة الألمانية عن تقديم قروض جديدة لهيئة السكك، وغادر طاقم خبرائها بقيادة "هارت مان"، بعد 24 عامًا، قضاها الخبير الألماني وفريقه بمقر شركة (D consult) داخل مبنى الهيئة بميدان رمسيس، في وسط القاهرة.
ولم تكن الدراسات التي أجرها الألمان الوحيدة التي استعانت فيها الحكومة بمراكز عالمية، من أجل تطوير السكك الحديد ووضع حلولٍ لمشكلاتها، وكان مصير غيرها من الدراسات مشابها.

4 دراسات مصرية وعالمية للتطوير لم ترَ النور
اقتصاديات النقل "الدعم والتسعير
تناولت
مفهوم الدعم وحجمه وأهميته.
طالبت
بتوفير بدائل دون آثار سلبية على الاقتصاد القومي.
حذرت
من الفارق بين الربحية المالية والاقتصادية بسبب الدعم
أجراها مكتب "أكوجيم" العالمي للاستشارات عام 1991.
تغطية التكاليف بالسكك الحديد
استهدفت
تحديد وتنفيذ الأهداف الاستراتيجية.
طالبت
بالتخطيط المركزي الشامل؛ لضمان تغطية التكاليف.
أوصت
بتمثيل التسويق وإدارة الأعمال على أعلى مستوى
بمجلس الإدارة.
مولها "بنك التعمير الألماني، أعدتها "ترانس رك" عام 1999
الخطة الشاملة للسكك الحديد
ركزت
على المشكلات الرئيسية وكيفية التعامل، أبرزها:
كفاءة التشغيل المتهالكة- نظم المعلومات المفقودة.
حددت
14 عنصرًا لتحسين التشغيل
أهمها: الحصول على مقابل للإعفاءات والمشروعات.
وضعت
خططًا خمسية مرحلية (2002، و2007، و2012)
لتطوير البنية الأساسية وأسطول القطارات، ووحدات الجر.
أعدتها الهيئة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) عام 1996.
اقتصاديات النقل
كشفت
انخفاض العجز المالي في الهيئة
عام 2001/2000 بمقدار 49 مليون جنيه.
استهدفت
وضع سياسة لضمان التشغيل الاقتصادي الأمثل
وإتاحة مستوى خدمة مناسب وتحقيق الأمان.
اقتراح
آليات لتنفيذ هذه السياسات، ووضعت خططًا لها.
أعدها خبراء سكك حديد أجانب ومصريين،في سبتمبر 2001،
هذا التجاهل تسبب في تعقيد أزمات ومشكلات السكك الحديد، وفقًا لـ"برغوث"، الذي يؤكد أن دراسات التطوير عددها أكبر من ذلك، لكنها كلها تشترك في تعرضها للإهمال، فهناك دراسة أجرتها الحكومة الإسبانية على نفقتها، لربط القاهرة والإسكندرية بخط سكة حديد يبعد عن الدلتا والخط القديم، ولكنها وُضعت في الأدراج، وظهرت نتائج إهمال تطوير السكة الحديد في حادث قطار العياط عام 2002.
عقب حادث قطار العياط الذي صنف بـ"الأبشع والأسوأ" في تاريخ هيئة السكك، أعلن رئيس الوزراء آنذاك عاطف عبيد عن خطة خمسية لتطوير السكك الحديد، خلال الفترة من (2002 - 2006). وخُصص لهذه الغاية مليار و388 مليون جنيه.

"التطوير الحقيقي يحتاج إلى وضع خطة متكاملة وشاملة لمنظومة السكك الحديد، ودون اقتصار التطوير على شراء جرارات وعربات جديدة مع إهمال باقي عناصر المنظومة"، يقول الدكتور أسامة عقيل أستاذ النقل بجامعة عين شمس. ويرى أنه من الطبيعي استمرار الحوادث وخسائر الهيئة من دون تحقيق نتائج ملموسة، طالما كان التخطيط عشوائياً.
حوادث جديدة وخطط تطوير قومية
وخصصت الحكومة لهذه الخطة 8.5 مليار جنيه، منها خمسة مليارات، خصصت بشكل فوري من حصيلة موارد رخصة المحمول الثالثة التي تعاقدت عليها الحكومة وقتها، بينما باقي المبلغ المقدر بـ 3.5 مليار جنيه، أعلن الدكتور أحمد نظيف رئيس الحكومة، توفيرها من الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى التمويل الذي توفره وزارة التعاون الدولي على شكل منح وقروض تمويل خارجية، كما صرح مجدي راضي المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء لجريدة الأهرام في أواخر آب/ أغسطس 2006.

وركزت الخطة القومية التي اعتبرت التطوير أمرًا ضروريًا، لتمكين قطاع السكك الحديد من القيام بدوره الاقتصادي والاجتماعي على خمس دعائم رئيسية خلال السنوات الخمس القادمة (2006-2011).

الدعائم الخمس لخطة إعادة هيكلة وتطوير السكك الحديد
الأمان.. هدف التطوير الذي لم يتحقق
وبالتزامن مع تنفيذ خطة إعادة الهيكلة وتطوير السكك الحديد عام 2006، كان عدد حوادث القطارات يتجاوز الألف حادث سنويا، وارتفع العدد تدريجيا إلى ألفي حادث في عام 2010.
كما كان لخطة التطوير أن تنتهي عام 2011، الذي شهد ثورة شعبية أطاحت بالنظام الحاكم، وبسبب الاضطرابات السياسية والأمنية توقفت حركة القطارات، ومعها توقفت خطة التطوير مؤقتا.
ومع عودة أسطول السكك الحديد للعمل تدريجيًا بكامل طاقته عام 2013، ارتفع معدل حوادث القطارات تدريجيًا، ليصل ذروته عام 2018، مسجلًا 2044 حادثًا، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ومنذ الإعلان عن خطة عام 2006 وقع أكثر من 21 ألف حادث قطار، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي قدر عدد الضحايا بـ 1287متوفى و2113 مصابًا بين عامي 2002 و2019. كان أبرزها حريق محطة مصر، صباح 27 شباط/ فبراير 2019، عندما اصطدم جرار القطار "2302"، الذي تركه سائقه، بحاجز خرساني نهاية رصيف 6، متسبباً في حدوث انفجار أودى بحياة 21 شخصًا وإصابة 52 آخرين.

رسوم بيانية تم تصميمها على موقع فلوريش:
ارتفاع حوادث القطارات على مدار الـ 20 عاما الأخيرة

أبرز أسباب حوادث القطارات خلال 5 سنوات
اصطدام المركبات بالمزلقانات السبب الأول لحوادث القطارات
المَزْلَقان: طريق منحدر الجانبين ويقطع السكة الحديد

ارتفاع عدد حوادث القطارات، يرجعه أسامة عقيل أستاذ النقل بجامعة عين شمس، إلى الإهمال الشديد وغياب الصيانة ونقص الإمكانيات، بينما يراه سمير نوار رئيس هيئة السكك الحديد الأسبق، أمرًا يحدث في جميع دول العالم، وليس مقتصرًا على مصر، ولكنه يتزايد نتيجة لأسباب متعددة، بدأت الدولة في تداركها حاليًا وتعمل على حلها.
وزراء نقل ورؤساء هيئة تركوا مناصبهم بسبب حوادث القطارات
التوازن المالي المفقود
منتصف القرن الماضي، كانت مصروفات هيئة السكك الحديد توازي إيراداتها، وفقًا لميزانية هيئة سكك حديد مصر، للسنة المالية 1960/59، حيث كانت مصروفات التشغيل تقدر بمبلغ 24 مليونًا و470 ألف جنيه، في المقابل قُدرت الإيرادات، بالمبلغ ذاته.

تدريجيًا بدأت الفجوة تتسع بين المصروفات والإيرادات أواخر الستينيات، فبعد شهر من اعتماد ميزانية العام المالي 1969/68، صدر قرار رئاسي بتعديل الميزانية، بزيادة الاعتماد المخصص لهيئة السكك الحديد، بقيمة مليون و280 ألف جنيه من إيرادات صندوق الاستثمار.
وزاد اتساع الفجوة أوائل الثمانينيات. ولتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في موازنة السنة المالية 1984/83، تضمنت الإيرادات إعانة عجز بقيمة 157 مليونًا، و271 ألف جنيه، وعجز مرحل بقيمة 36 مليونًا، و370 ألفًا، بخلاف القروض والتسهيلات الائتمانية، التي قدرت بـ 364 مليونًا، و314 ألف جنيه.

تجاوز الفارق بين الإيرادات والمصروفات، بموازنة هيئة السكك الحديد عام 19/2020، أكثر من 9.8 مليارات جنيه. ويعتبر الدعم الحكومي لتذاكر القطارات أحد الأسباب الأساسية لانخفاض إيرادات السكك الحديد، وفقا لمحمد بدرة عضو مجلس إدارة شركة MOT التي تدير أصول السكك الحديد، الذي يرى أن تحقيق التوازن المالي مرهون بسداد أو إسقاط الديون، التي تعتبر إرثا يتضخم عاما تلو آخر.
تحقيق التوازن المالي بين الإنفاق والإيرادات بهيئة السكك الحديد، كان هدفاً متكرراً بجميع خطط التطوير، لكنه لم يتحقق حتى اليوم، وخلال الـ 10 سنوات الماضية، ارتفعت الخسائر من 175.4 مليون جنيه عام 2010/9 لتصل إلى 12.7 مليار جنيه عام 19/ 2020، بينما تجاوزت الخسائر المرّحلة من الأعوام الماضية 78 مليار جنيه في ذات العام.
رسوم بيانية تم تصميمها على موقع فلوريش:
ارتفاع متواصل لخسائر الهيئة خلال آخر عشر سنوات
عام 2020 الأعلى من حيث الخسائر بواقع 12.7 مليار جنيه مصري

ارتفاع الخسائر المرحلة على مدار 10 سنوات
خسائر الهيئة المرحلة وصلت إلى ذروتها عام 2020 بواقع 78 مليار جنيه

وانعكس انخفاض الإيرادات والخسائر المتزايدة على المخصصات المالية الخاصة بتوفير قطع الغيار وعمليات الصيانة الدورية، التي شهدت تراجعاً مستمراً خلال السنوات الماضية. وأدى هذا الوضع إلى انخفاض عدد ركاب القطارات بنسبة 44 في المئة خلال 11 عاما، رغم الزيادة السكانية التي تشهدها مصر سنوياً.

رسوم بيانية
انخفاض الإنفاق على صيانة القطارات
عام 2011 الأقل في النفقات بسبب توقف القطارات خلال أحدث ثورة يناير

تناقص أعداد ركاب القطارات بنسبة 34% خلال عشرين عاما
عام 2013 الأقل في عدد الركاب بواقع 183 مليون راكب

حتى أواخر الخمسينات من القرن الماضي، كان تطوير السكك الحديد يرفع كفاءة المرفق الحكومي، ويوفر عوامل الأمان لركابه، بينما تدهور المرفق وتراجعت خدماته، تدريجيا في النصف الثاني من القرن الماضي، وأرجع الرئيس عبدالفتاح السيسي سببه إلى تراجع إيرادات السكك الحديد، قائلا: "الخط يتكلف تشغيله 5 آلاف جنيه، ولكن العائد منه ألف جنيه فقط"، وبالتالي لن تستطيع الدولة تقديم الدعم المستمر له وانعكس ذلك على أداء القطارات، متسائلا خلال افتتاح تدشين الوحدات المتحركة الجديدة في كانون الأول/ ديسمبر 2021: "ندعمه عامين أو ثلاثة لحد ما ينهار؟".

اجتماع رئاسي لمناقشة مديونية الهيئة
منتصف أيار/ مايو 2020، وخلال اجتماع ثلاثي بمقر رئاسة الجمهورية، جرت مناقشة مديونية هيئة السكك الحديد البالغة 250 مليار جنيه (منها 100 مليار للبنك المركزي الضامن للهيئة بجميع القروض المحلية، و150 مليار جنيه قروضًا من موازنة الدولة لصالح المشروعات التي تنفذها وزارة النقل حاليًا)، كما استعرضها وزير النقل كامل الوزير أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي.

مديونية الهيئة للبنك المركزي، والتي قدرها بيان رئاسة الجمهورية بـ100 مليار جنيه، نتاج الديون المتراكمة على الهيئة منذ سنوات، نتيجة العجز السنوي بين إيرادات وتكاليف التشغيل اليومية، والتي بلغت 30 في المئة عام 2019، وفقًا للمهندس أشرف رسلان رئيس هيئة السكك الحديد السابق، وهذا العجز يسدد من خلال السحب على المكشوف من البنك المركزي، كقروضٍ يترتب عليها فوائد تلتزم الهيئة بتسديدها.

الفائدة تتجاوز قيمة القرض
يدخل ضمن ديون الهيئة القروض التي اقترضتها أواخر القرن الماضي، والفوائد التي ترتبت على عدم الالتزام بسدادها، حيث تتجاوز قيمة هذه الفوائد قيمة القروض الأصلية، والتي يعتبرها رئيس الهيئة السابق المهندس أشرف رسلان، الجزء الأكبر من الديون التي تتضخم سنويًا، كما حدث في القروض التي حصلت عليها الهيئة من بنك الاستثمار.

قدرت قيمة الفوائد السنوية خلال السنة المالية 2020/19، على قرض بقيمة 10 مليارات، بـمبلغ 4.1 مليار جنيه خلال عام واحد، ويعتبر هذا القرض واحدًا من ضمن أكثر من 20 قرضًا حصلت عليها هيئة السكك الحديد من بنك الاستثمار، خلال العقدين الماضيين، لتقفز قيمة القرض بعد إضافة إجمالي الفوائد إلى 33.4 مليار جنيه، كما ذكر رئيس الهيئة أشرف رسلان، خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في كانون الثاني/ يناير 2020.

وخلال المدة الزمنية التي حددتها الحكومة (2006 - 2011) لتنفيذ "خطة إعادة هيكلة وتطوير هيئة سكك حديد مصر"، حصلت الهيئة على قروض ومنح من ثلاث جهات دولية ومحلية، لتمويل "خطة إعادة الهيكلة".

3 جهات تمنح قروضًا إضافية لدعم "خطة إعادة هيكلة وتطوير السكك الحديد"
في آب/ أغسطس 2009، وافق البنك الدولي على إقراض هيئة السكك 270 مليون دولار، ضمن التمويل الذي خططت الحكومة لتوفيره بغرض تنفيذ الخطة القومية لإعادة هيكلة سكك حديد مصر، وارتفعت قيمة القرض في أيلول/ سبتمبر 2011 لتصل إلى 600 مليون دولار، بعد الموافقة على ما سُمي بـ "القرض الإضافي"، بقيمة 330 مليون دولار.

المشروعات التي مولها قرض البنك الدولي ضمن الخطة القومية
"عدم قدرة الهيئة على التخطيط السليم، والتنظيم والاستعداد الكافي للاستفادة القصوى من القرض"، هكذا تعامل المسؤولين بالسكك الحديد مع قرض البنك الدولي، وفقا لنص تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، الصادر عام 2013.

وأرجع التقرير السبب إلى "البطء الشديد في الاستفادة من قرض البنك الدولي"، ما انعكس سلبًا على تنفيذ خطة إعادة هيكلة السكك الحديد.

وفقًا للتقرير الرقابي، فقد تأخرت الهيئة أكثر من عام ونصف العام من أجل التعاقد مع الشركة المنفذة للمشروع، رغم استلامها 22.5 في المئة من قيمة القرض، واستغرقت إجراءات التعاقد أكثر من 3 سنوات من بداية فترة السحب لأموال القرض، كما ذكر التقرير.

وامتد التقصير إلى عدم الاستفادة من قيمة "القرض الإضافي" الذي حصلت عليه الهيئة من البنك الدولي، إذ كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات -نص الاتفاق مع البنك الدولي توليه المراجعة والمراقبة المالية-، تأخر استخدام أموال القرض التي تقدر بـ330 مليون دولار، أكثر من عامين من صدور الموافقة على القرض.

وطالب التقرير، الهيئة بالإسراع في الاستفادة من القرض حفاظًا على الأرواح والممتلكات.

 

8 ملايين لتطوير المهارات الإدارية
كان من ضمن أهداف الخطة القومية لإعادة هيكلة وتطوير السكك الحديد، تحسين القدرات والمهارات الإدارية بالهيئة، للتغلب على العجز الواضح في مهارات الإدارة، الذي أشارت إليه وثيقة المشروع.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، طلبت الحكومة المصرية في شباط/ فبراير 2008، دعمًا ماليًا من مثيلتها الإيطالية، التي دعمتها بمنحة مالية لا ترد، بقيمة ثمانية ملايين يورو.

وعقب توقيع الاتفاقية بين البلدين، وصل إلى القاهرة فريق من 10 خبراء إيطاليين، بقيادة نينو شينجولاني، المدير السابق لشركة صيانة السكك في إيطاليا.

ووفقًا للاتفاقية، تتحمل الحكومة الإيطالية رواتب الخبراء الإيطاليين، بينما تتحمل مصر تكلفة الإقامة والخدمات اللوجيستية. يقول سمير نوار رئيس هيئة السكك الحديد السابق: "لدينا مشكلة في الإدارة، ولذلك استعنا بالخبراء الأجانب".
المنحة تتحول لعبء بالملايين
عقب انتهاء المرحلة الأولى (ثلاث سنوات)، من الاتفاق الموقع بين مصر وإيطاليا، رصد الجهاز المركزي للمحاسبات، تحمل الهيئة خلال هذه الفترة 28 مليون جنيه سنويًا من ميزانيتها، مصروفات خدماتٍ شخصية "إيجار شقق وسيارات" لـ10 مديرين محالين للمعاش من شركة إيطالية عاملة في مجال صيانة السكك الحديد.
خسائر مستمرة.. وعجز متصاعد
الخسائر المستمرة والعجز المتصاعد بالإيرادات بميزانية الهيئة، تسبب في عدم قدرتها على الالتزام بسداد أقساط قروض بنك الاستثمار، سواء القديمة أو التي حصلت عليها الهيئة خلال السنوات الأخيرة، ليضطر البنك إلى اللجوء للمحكمة الاقتصادية من أجل إلزام الهيئة بسداد مديونيتها للبنك.
وحكمت المحكمة لصالح البنك في قضيتين منفصلتين أواخر عام 2019، بإلزام الهيئة بسداد مديونتها للبنك: الأولى بقيمة 1.1 مليار جنيه، كمستحقات 20 قرضًا، حصلت عليها الهيئة في الفترة من (2005 -2015).
بينما الثانية قيمتها 25 مليار جنيه، بخلاف غرامات التأخير، لبنك الاستثمار القومي.

في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أُغلق قرض البنك الدولي، الذي كان يفترض انتهاؤه في أيلول/ سبتمبر 2015، وفقًا لاتفاقية المشروع، بعد تمكن الحكومة المصرية من مد فترة تنفيذ المشروع والإصلاحات المتفق عليها مع البنك الدولي ثلاث مرات (الأولى 2017، والثانية 2019، والثالثة 2020).

ولم تنجح منظومة تطوير الإشارات التي كانت تهدف لزيادة السلامة والأمان على خط سكة "بني سويف - أسوان" بتكلفة 337 مليون دولار من أموال قرض البنك الدولي، في منع حادث قطاري سوهاج الذي وقع في آذار/ مارس 2021.
بسبب غلق جهاز المكابح والتحكم الآلي بالقطارين من قبل السائقين، "بدعوى تعطيله حركة القطار، وتأخير مواعيد وصوله إلى المحطات". وفقًا لتحقيقات النيابة، التي كشفت أن سائق قطار 2011 المكيف ومساعده "لم يكونا متواجدين" في عربة القيادة وقت الحادث، وكذلك "تعاطي كل من مراقب برج محطة المراغة - جوهر الحشيش المخدر، وتعاطي مساعد سائق القطار 175 مميز ذات الجوهر وعقار -الترامادول- المخدر".
بينما كان طاقم قطاريّ سوهاج، ومراقبو برج المراغة المتورطون في الحادث بسبب إهمالهم، ورؤساؤهم ضمن مئات العاملين بالهيئة، الذين خضعوا لتأهيل وتدريب، ضمن عملية تحسين القدرات والمهارات الإدارية بالهيئة الممولة من المنحة الإيطالية، للتغلب على العجز الواضح في مهارات الإدارة، الذي كان أحد أهداف الخطة القومية، لإعادة هيكلة وتطوير السكك، لكنه لم ينعكس على إدارة العمل بالهيئة.

وهو السبب نفسه الذي دفع وزير النقل هاني ضاحي، إلى رفض التجديد لطاقم الخبراء الإيطاليين في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، قائلا: "لم يقدموا إضافة ملموسة ضمن خطة التطوير، بل كلف وجودهم الهيئة 50 مليون جنيه لتوفير خدماتٍ شخصية لهم، منها: حجز فنادق، سيارات خاصة، تأمين طبي، رواتب مترجمين، ومصروفات مدارس لأبنائهم،... إلخ".

بعد ثلاث سنوات، من وقوع حريق محطة مصر، أحالت النيابة الإدارية 10 مسؤولين من قيادات السكك الحديد إلى محاكمة تأديبية، وصفت بـ"العاجلة"، بتهم الإهمال في أداء واجبات وظيفتهم، الذي تمثل في عدم التعاقد مع شركة متخصصة في إنتاج القاطرات لإجراء أعمال الصيانة الدورية لتشغيل 151 قاطرة، بلغت قيمتها 374 مليون دولار، توقف عدد كبير منها دون استفادة، ما أدى إلى وقوع حادث قطار محطة مصر.

وقال تقرير الاتهام الذي صدر في 26 شباط/فبراير 2022، إن المُحالين لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وخالفوا القواعد والتعليمات المالية، وارتكبوا ما من شأنه ضياع حق مالي للدولة، ولم يحافظوا على ممتلكات الوحدة التي يعملون بها.

احتفلت "السكك الحديد"، برفع آخر عربة قطار قديمة من التشغيل على خطوطها، أوائل كانون الثاني/يناير2022، وكان تطوير أسطول عربات القطارات هدفا رئيسيا، لم يتحقق رغم مرور أكثر من 16 عاما، على إعلان وزيري النقل إبراهيم الدميري ومحمد منصور عن خطتهما للتطوير، عامي 2002 و2006.

وبعد فشل خطط ومشروعات التطوير خلال العقدين الماضيين في تحقيق التوازن الاقتصادي بين الإيرادات والمصروفات، باعتباره هدفًا دائمًا في خطط التطوير الماضية والمستقبلية، اضطرت الهيئة في أيار/ مايو 2021 للتنازل لبنك الاستثمار عن نصف مليون متر أرضٍ من أملاك السكة الحديد، بقيمة 20 مليار جنيه، وإسقاط باقي الديون باتفاق الطرفين، لتنهي هذه الاتفاقية مديونيتها لبنك الاستثمار التي تقدر بـ25 مليون جنيه، ضمن ما يعرف بخطة الدولة لفك التشابكات المالية بين الجهات الحكومية.

خطط وإرث في 4 عقود.. كيف تعامل وزراء النقل مع السكك الحديد؟
خطة تطوير جديدة
● بعد عام من تولي الوزارة، وتحديدًا في مارس 1981؛ أعلن عن خطة لتطوير هيئة السكك الحديد، تتضمن (تحديث الخطوط الحديد وإحلال وحدات الجر والعربات، وتطوير نظم الإشارات).
● طبقًا لبرنامج التطوير ستتمكن الهيئة من تغطية مصروفاتها بنسبة 100% عام 1997.

من يتحمل مسؤولية التدهور؟
" لقد عانت السكك الحديد فترات طويلة من التخلف، وتناقصت وحدات الجر وتقادمت عربات الركاب والبضائع، وأصبحت نظم الإشارة غير صالحة؛ لكي تؤمن مسيرة القطارات وتحقق السلامة للركاب، وستتم مواجهة هذا الأمر بحسم من خلال خطة التطوير".

● خلال افتتاح محطة بني سويف بعد التجديد (25مارس 1981).

انتهت المشروعات والخطط التي سعت الحكومات المتعاقبة لتنفيذها خلال العقدين الماضيين، وأُنفقت ملايين الدولارات التي خصصت من أجلها في شكل منحٍ وقروضٍ دوليةٍ، من أجل تطوير لم يحقق أهدافه حتى اليوم.

وما زال القائمون على أمر السكك الحديد يعلنون عن خطط جديدة لتطويرها، ويحصلون على قروضٍ دوليةٍ إضافيةٍ لتنفيذها. حصلت الهيئة التي تحاول إغلاق ملف ديونها القديمة على قرابة 816.6 مليون دولار أمريكي منذ عام 2017 وحتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التحقيق.

تـحـقيـق:
ريم علام وحمدية السيد

صور: وكالة فرانس برس AFP