Show Menu
True Story Award 2019

مصراوي يكشف في تحقيق استقصائي: "كليوباترا.. صُنِعَتْ خارج مصر"

تحقيق استقصائي يكشف تورّط شبكات منظَّمة تضم رجال أعمال وسياسيين من جنسيات مختلفة في حماية شركات أجنبية موجودة بين 6 دول أوروبية وآسيوية وعربية، استمرَّت في تصنيع سجائر كليوباترا مدوَّن عليها عبارة "صُنع في مصر" وتهريبها للبيع في مصر ودول أخرى، لكنها في الحقيقة "صُنعَت خارج مصر".

مارس 2015
تضبط السلطات اليونانية سفينة شحن دخلت المياه الإقليمية دون تصريح، فيما يعلن قائدها أن السبب سوء الأحوال الجوية. بتفتيش السفينة تعثر السلطات على 11 حاوية، بها 146 طُن سجائر تحمل العلامة التجارية المصرية الشهيرة "كليوباترا"، مكتوب عليها "صُنع في مصر"، بينما توضِّح وثائق الشحن بالسفينة، إقلاعها من ميناء "بار" في جمهورية الجبل الأسود (مونتنجرو)، متجهة إلى ميناء "طبرق" في ليبيا، وأن الشركة المُصدِّرة هي "ليبرتي.إف.زد.إي"، مقرها مدينة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والشركة المستوردة "تشاركية الليبو" ومقرها طبرق في دولة ليبيا.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تضبط فيها السلطات اليونانية شحنة سجائر كليوباترا المصرية مهرَّبة، ففي ديسمبر 2012، ضبطت سفينة شحن أخرى مُحمَّلة بنحو 50 مليون سيجارة كليوباترا قادمة من جمهورية الجبل الأسود إلى ليبيا، وطبقًا للوثائق: كان المُصدِّر والمُستورِد نفس الشركتين.

بدأ إنتاج سجائر كليوباترا عام 1961 بشركة التبغ الأرمينية "ماتوسيان" في القاهرة، قبل اندماجها مع الشركة المصرية "الشرقية للدخان" بعد قرار التأميم، لتصبح "كليوباترا" علامة تجارية مصرية.

تمتلك الدولة الآن 55% من أسهم الشركة الشرقية للدخان إيسترن كومباني، ويمتلك اتحاد العاملين بالشركة نحو 5.8% من الأسهم، والباقي مطروح للتداول في البورصة المصرية، بحسب قوائم الشركة المالية، والتي تخضع لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات، الجهاز الرقابي الأعلى في مصر.

وتُخطط الحكومة المصرية، لطرح نحو 4.5% من حصتها في البورصة عام 2019، ضمن برنامج الطروحات الحكومية المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

وتمثل الشركة موردًا رئيسيًا من موارد خزينة الدولة المصرية، إذ أسهمت في الموازنة العامة لعام 2017/2018 بـ56 مليار جنيه، وهو المبلغ الذي يشمل حصة الدولة في الأرباح والضرائب والرسوم الجمركية، بحسب تقرير مجلس إدارة الشركة المرسل للبورصة.

ورغم تأكيد مسؤولي الشركة -في عدد مجلة "كليوباترا" السنوي الصادر عن الشركة في أكتوبر 2017- محاربتهم عمليات تهريب سجائر كليوباترا (إذ تبلغ خسائر الدولة المصرية جرّاء تصنيع السجائر وتهريبها ما بين ٣ و ٥ مليارات جنيه سنويًا)، إلا أن محمد حسن، مدير إدارة التحليل والاستهداف بالإدارة المركزية لمكافحة التهرب الجمركي بمصلحة الجمارك، والمسؤول عن ملف كليوباترا، أكد في حديثه لنا أن الشركة الشرقية ايسترن كومباني تقاعست في بعض الدول الأجنبية عن القيام بالإجراءات القانونية ضد شبكات التصنيع والتهريب بالشكل الذي يحفظ المال العام، واكتفت فقط بطلبات إعدام الشحنات التي تُضبَط.

على مدى عامين، تتبَّعنا العشرات من هذه الشحنات، وحققنا في أصول هذه الشركات الموجودة بين 6 دول أوروبية وآسيوية وعربية، لنكشف تورّط شبكات منظَّمة تضم رجال أعمال وسياسيين من جنسيات مختلفة في حماية شركات أجنبية، استمرَّت في تصنيع سجائر كليوباترا مدوَّن عليها عبارة "صُنع في مصر" وتهريبها للبيع في مصر ودول أخرى، لكنها في الحقيقة "صُنعَت خارج مصر".


الجبل الأســــــــود .. أول الخيط

في جنوب القارة الأوروبية، اشتهرت جمهورية الجبل الأسود بكونها مركزًا لعمليات تهريب السجائر، وفقًا لتقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي الصادر عام ٢٠١٧، حتى إن النيابة الإيطالية وجَّهت للرجل الأقوى في مونتنجرو "ميلو ديوكانوفيتش" -الذي يحكم البلاد منذ عام 1991، متنقلًا بين منصبي الرئيس ورئيس الوزراء- اتهامات بالضلوع في عمليات تهريب سجائر، في الفترة بين 1994 و2002، لكن تعذَّرت محاسبته أمام القضاء الإيطالي، لحصانته كرئيس دولة.

بدأت رحلتنا من مصنع التبغ "دي.كيه.بي" في مدينة بودغوريتسا -عاصمة جمهورية الجبل الأسود- إذ حصلنا على علبة سجائر كليوباترا تحمل جميع التفاصيل، مثل التي تُنتَج في مصر، بما فيها عبارة صُنع في مصر، وكذلك رقم الخط الساخن للإقلاع عن التدخين، بالإضافة إلى لاصق كُتب عليه "خالصة الضرائب" الذي فرضته وزارة المالية المصرية عام 2012 لمنع التهرب من ضريبة المبيعات.

في مقابلة مع بعض عمّال المصنع، أكَّدوا أنهم يعملون في ورديات متتابعة، ينتجون خلالها أنواع سجائر تطلبها شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، بعد أن ذكرت لهم أن لديها رخصة قانونية لتصنيعها

أكَّدت كشوف إنتاج المصنع خلال الفترة بين 2011 و 2013، أن المصنع بالفعل يقوم بعمليات إنتاج لصالح شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" لعلامات سجائر "20 مارس" التونسية، وسجائر "ريم" الجزائرية، وسجائر "رياضي" الليبية، لكن النصيب الأكبر من عمليات الإنتاج كان لصالح علب السجائر المصرية "كليوباترا" بنسختيها من العلب الكرتونية والورقية.

ومن خلال ٣ عقود استمرت عملية الإنتاج من عام 2010 حتى نهاية عام 2015.

العقد الأول:
وُقِّع في 19 من نوفمبر 2010 ويسري لمدة عام، بين شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" ويمثّلها شخص يدعى "سيد علي"، ومصنع التبغ "دي.كيه.بي" ويمثله مدير الجهة المسؤولة عن الإفلاس، ويدعى "فاسلين رايزفيتش"، إذ كان المصنع يعاني الإفلاس في ذلك الوقت. ينصّ العقد على إنتاج 3 ماركات من السجائر في المصنع لصالح شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، لكن لم تكن سجائر كليوباترا ضمن الأنواع المذكورة في العقد.

العقد الثاني:
وُقِّع في 23 من نوفمبر 2012، بتوقيع ممثل شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" ويدعى "رامي زياد"، وممثل مصنع التبغ "دي.كيه.بي" ويدعى "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش"، وظهر أن المتعاقدين قد حذفوا –تحديدًا- أنواع السجائر التي يريدون إنتاجها، واستبدلوا بها عبارة "أي نوع سجائر تطلبه الشركة مع، ضرورة أن تقدم ترخيصًا بالإنتاج".

العقد الثالث:
وُقِّع في 30 من أكتوبر 2013 ويسري حتى نهاية ديسمبر 2015، بتوقيع ممثل شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" ويدعى "سيد علي"، وممثل مصنع التبغ "دي.كيه.بي" ويدعى "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش"، وينصُّ بوضوح على زيادة حجم الإنتاج الشهري ليصل إلى 75 طُن سجائر من العلب الكرتون “Hard” و75 طن سجائر من العلب الورقية “Soft”، من أنواع السجائر التي تطلبها الشركة، مع ضرورة أن يكون لديها ترخيص بإنتاجها

في ظل اهتمام جمارك الدول الأوروبية بمكافحة عمليات تهريب السجائر على مستوى العالم، وخاصة الجمارك البريطانية والفرنسية ومكتب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الغش التجاري (أولاف)، أرسلت الجمارك البريطانية للجمارك المصرية في مايو 2015، خطابًا يوضِّح حجم الإنتاج الشهري لسجائر كليوباترا داخل مصنع التبغ "دي.كيه.بي"، ما مكننا من حساب حجم الخسائر التي تعرَّضت لها القاهرة جرَّاء هذه العمليات.
حيث ينتج مصنع التبغ "دي.كيه.بي" 100 مليون سيجارة كليوباترا شهريا، أي ما يساوي 5 مليون علبة سجائر في الشهر، وحيث أن سعر علبة سجائر كليوباترا في السوق المصري تقدر بحوالي 1 دولار أمريكي لذا فإن الإنتاج الشهري للمصنع قيمته السوقية 5 مليون دولار .
على مدار 4 سنوات من بداية عام 2012 إلى نهاية عام 2015، تم إنتاج وتهريب كميات سجائر كليوباترا تقدر قيمتها السوقية بأكثر من 240 مليون دولار.

في مقابلته معنا، قال "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش" المدير التنفيذي السابق لمصنع التبغ "دي كيه بي"، أن المصنع لم يقم بأي عمل خاطئ، حيث أن شركة ليبرتي أظهرت لنا وثائق توضح تسجيلها لتلك العلامات في دولة أخرى، وبناء عليه تم إنتاج تلك السجائر داخل المصنع.

وطبقا لوثائق حصلنا عليها من موقع مكتب الملكية الفكرية في الجبل الأسود، قامت شركة ليبرتي في إبريل 2015، بتقديم طلب لتسجيل العلامات التجارية "كوين كليوباترا – كليوباترا جولدن كينج – كليوباترا كينج سايز" وبالفعل تم التسجيل في فبراير 2016، لتصبح مالكة لتلك العلامات بشكل قانوني في الجبل الأسود، لتقدم بعدها الشركة الشرقية "إيسترن كومباني"، طلب تسجيل علامة كليوباترا في أغسطس 2016، لكن الطلب رفض.

من جانبها أكَّدت الشركة الشرقية إيسترن كومباني -في ردها المكتوب على استفساراتنا مدعم بالوثائق- أنها لم تمنح ترخيصًا لشركة "ليبرتي إف زد إي" أو مصنع "دي كيه بي" لتصنيع سجائر كليوباترا، موضَّحة أنها طلبت من وزارة الخارجية المصرية التدخلَ، ومخاطبة الخارجية في جمهورية الجبل الأسود، لوقف عمليات الإنتاج غير الشرعية هناك، لكنها تجاهلت الرد على أسئلتنا حول تأخرها في تسجيل علامة كليوباترا هناك.

في يناير 2016 أفاد خطاب صادر من وزارة الخارجية المصرية إلى الشركة الشرقية للدخان، أن لقاء جمع أحد مسؤولي الخارجية مع سفير جمهورية الجبل الأسود غير المقيم لدى مصر، وأن الأخير أكد تلقّيهم مراسلات القاهرة لوقف عمليات الإنتاج منذ 2012، ومع ذلك فإنه يصعب على المسؤولين في بلاده إعطاء تفسيرات رسمية للجانب المصري، بسبب بعض التعقيدات والحسابات المتمثلة في احتمالية ملكية بعض مسؤولي الجبل الأسود أسهما في شركة إنتاج السجائر.

لكن احتمالية ملكية بعض مسؤولي الجبل الأسود أسهما في الشركة، أكَّدها خطاب آخر في نوفمبر 2018، صادر من الخارجية المصرية للجمارك المصرية، تضمَّن تأكيد مسؤولة ملف مصر بوزارة الخارجية بالجبل الأسود دراستهم الطلب المصري حاليا والتنسيق لحلّ الأزمة، مع التنويه بتعقيدات القضية وحساسيتها، بسبب ملكية بعض مسؤولي حكومة الجبل الأسود أسهما في تلك الشركة، ومطالبتهم مصر بعدم اتخاذ أي تدابير أو إجراءات بهذا الشأن.

رفض المسؤولون في جمهورية الجبل الأسود الكشف عمن يقف وراء شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، لكننا حصلنا بعدها على مستندات من داخل برلمانهم، لمناقشات جرت في عام 2015 بخصوص الشراكة بين مصنع التبغ "دي.كيه.بي" وشركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، ظهر فيها بوضوح وصف الشركة الأخيرة بعبارة "الشريك اليوناني".


اليونان .. الزعيم

كانت خيوط القصة تشير إلى اليونان، حيث مناقشات البرلمان في جمهورية الجبل الأسود بخصوص إنتاج السجائر في مصنع بودغوريتسا تصف الشركة بـ"الشريك اليوناني”. حاولنا الحصول على بيانات تسجيل شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" في اليونان، فاكتشفنا أنها مُسجَّلة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تفرض السرية على بيانات مثل هذه الشركات، كميزة إضافية ضمن عدد كبير من التسهيلات لجذب أكبر عدد ممكن من شركات الأوف شور. لكن من خلال أدوات البحث، وصلنا إلى البيانات المسجلة في الإمارات وكانت تتضمن العنوان ورقم التسجيل كالتالي: الجزيرة الحمراء – رأس الخيمة، ورقم صندوق البريد 31291، ومرفق في بيانات التسجيل رقم هاتف محمول يبدأ بالمفتاح الدولي لليونان.

بتتبع رقم الهاتف اليوناني عبر تطبيق "تروكولر" الخاص بالكشف عن أسماء المتصلين ظهر أنه مسجل تحت اسم:"Cg Sekap Jan Kostas"، تبدو كلمة "Cg" اختصارًا لكلمة "Cigarettes" أي سجائر، بينما كلمة "Sekap" اسم لشركة التبغ اليونانية الشهيرة، في حين تبدو الكلمتان الأخيرتان اسم شخص، توصَّلنا إلى مالك الرقم وهو شخص يدعى "كونستانتينوس فيروجينس"، لنتأكد بعد حصولنا على وثيقة تأسيس الشركة أنه مالك شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" التي تأسست عام 2009.

لكن بالعودة إلى جمهورية الجبل الأسود، وفي مقابلة لنا مع مدير الموارد البشرية بالمصنع وقت عمليات الإنتاج "نيبوزا ستانكوفيتش"، قال إن رجل أعمال يونانيًا يدعى "ايوانيس زيناس" هو رئيس شركة "ليبرتي إف زد إي".

أحد قيادات مصنع التبغ "دي.كيه.بي" -رفض ذكر اسمه- أكد أن "إيوانيس زيناس" هو الزعيم الفعلي لشركة "ليبرتي أف زد إي" والمشرف على عمليات إنتاج سجائر كليوباترا في المصنع، لكنه كان يرفض بشكل قاطع التوقيع على أي أوراق أو وثائق. بينما أكَّد أحد العمال -عرضنا عليه صور "فيروجينيس" و"زيناس"- أنه رأى الشخصين كثيرًا داخل المصنع، ذاكرًا أنهم يلقِّبون "زيناس" بـ”الزعيم".

وبالبحث في قواعد موقعي التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"إنستجرام" اكتشفنا أن الاثنين أصدقاء منذ الدراسة الجامعية، كما عثرنا على صور لهما خلال اجتماعهما مع المجموعة الرئيسية التي تُصنِّع سجائر كليوباترا في مصنع "دي كيه بي" في الجبل الأسود.

بدأنا رحلة البحث عن "إيوانيس زيناس" لنجد أنه كان يشغل منصب مدير التصدير بشركة "سيكاب" للتبغ، وهي أكبر شركة يونانية لإنتاج السجائر وتوزيعها، وسبق التحقيق معه بشأن تهريب السجائر داخل الاتحاد الأوروبي مستخدمًا مصر كـ"وجهة مزيفة"، حُكم عليه بأربع سنوات مع إيقاف التنفيذ عام ٢٠١٥، لكنه أُبرئ في فبراير ٢٠١٦ من محكمة أخرى، تلك المحكمة كانت قد أجرت تحقيقًا موازيًا مع زيناس في أثناء انعقاد المحكمة الأولى، وعلى هذا الأساس تمكن زيناس من الحصول على حكم بالبراءة، وفقًا للقوانين اليونانية التي تمنع محاكمة الشخص أمام محكمتين بالتهمة نفسها.

حتى عام 2012 كانت شركة "سيكاب" مملوكة للحكومة اليونانية، حتى قررت عرضها للبيع، وفقًا لوسائل إعلام يونانية، كان زيناس حينها من أهم الداعمين لرجل الأعمال الهندي "راجا بوميدالا" المدير التنفيذي لشركة "بي بي إم بوميدالا" للتبغ، في عرضه لشراء شركة "سيكاب"، ولكن الصفقة توقَّفت بعد دخول رجل أعمال (روسي - يوناني) "إيفان سافيديس" على الخط، واستحوذ على 82% من أسهم شركة "سيكاب" في بداية عام 2013.

ترك زيناس شركة "سيكاب"، ليظهر بعد ذلك في صورة نشرها عبر حسابه على فيس بوك وهو يرتدي بدلة عليها شعار شركة " بي بي إم بوميدالا" للتبغ، ضمن فاعليات معرض التبغ العالمي بالشرق الأوسط المُقام في الإمارات العربية المتحدة.

شركة "بي بي إم بوميدالا" للتبغ هي نفسها التي تُورِّد التبغ ومستلزمات التصنيع للعديد من شركات السجائر، ومنها شركة الشرقية للدخان المصرية "إيسترن كومباني"، لكن في ردها علينا نفت الشركة توظيف زيناس بأي شكل من جانبها، موضحة أنه تم التعاقد معه سابقًا كمستشار في المشروع الخاص بشراء شركة "سيكاب" اليونانية، ولكن المشروع توقف بعد سحب عرض الشراء.

ويُثبت موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وجود علاقات قوية لزيناس مع أصحاب شركات شحن وتخليص جمركي في مصر، ويدعوه أحدهم أيضا بـ"الزعيم"، إضافة إلي صورة له مع رئيس جمهورية الجبل الأسود "ميلو ديوكانوفيتش"، حاولنا التواصل مع زيناس للحصول على رد منه بخصوص استفساراتنا لكن دون جدوى.

لكن مكتب رئيس جمهورية الجبل الأسود في رده علينا نفي وجود أي صلة ل"ميلو ديوكانوفيتش" بهذا الموضوع، كما أنه لم تصله أي تنبيهات بخصوص عمليات إنتاج غير شرعية في الجبل الأسود، وأنه لو كان لديه علم بذلك، كان سيطلب من السلطات التحقيق في الموضوع.

وحول علاقته ب"زيناس" والصورة التي تجمعهما، جاء ردهم بأن الرئيس يعرف زيناس وتناول الطعام عدة مرات في مطعم زيناس في اليونان، لكنه لا يعرف شيئا عن أعماله في الجبل الأسود سواء كانت قانونية أم لا.

في يونيو 2015، في أثناء محاكمة السلطات اليونانية شركة ليبرتي، بتهمة تهريب سجائر كليوباترا إلى اليونان، على خلفية الشحنة التي ضُبِطَت، استغلَّت الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" الفرصة وسجَّلت أول إجراء قانوني ضد الشركات القائمة بعمليات التهريب المستمرة منذ عام 2012 بين الجبل الأسود وليبيا، إذ رفعت دعوى قضائية أمام السلطات اليونانية ضد شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" بصفتها المصنعة والمصدرة، وضد شركة "الليبو" الليبية بصفتها المستورد للشحنة، طالبت الشركة المصرية بإعدام الشحنة التي ضُبِطت باليونان، في مارس 2015، ومنع الشركتين من التعامل داخل الأراضي اليونانية، وكذلك طالبت بتعويض منهما.

أعدمت السلطات اليونانية الشحنة في 2016، ولكن صدر قرار المحكمة في فبراير 2017، بتبرئة طاقم السفينة من تهمة التهريب، موضحة عدم وجود أدلة تفيد أن الشحنة كانت للتهريب إلى اليونان، إذ كانت في طريقها إلى ليبيا لا اليونان.

لكن شحنات سجائر كليوباترا كانت مستمرة في التدفق حتى فبراير 2016 بكميات أكبر بين الجبل الأسود وليبيا عبر شركتي ليبرتي والليبو طبقا لوثائق شحن جديدة حصلنا عليها.

لم تكن جمهورية الجبل الأسود الدولة الوحيدة التي تُنتَج فيها سجائر كليوباترا وتُهرَّب إلى ليبيا، فقد حصلنا على وثيقة من الجمارك البريطانية توضِّح أن مصنعًا لإنتاج كليوباترا يعمل في ألبانيا، ويرسل كامل إنتاجه إلى ليبيا.


ألبانيا .. إنتاج جديد

داخل مكتب إدارة التحليل والاستهداف بالإدارة المركزية لمكافحة التهرب الجمركي، وعلى مدار عامين، كان مسؤولو الجمارك المصرية يتلقّون خطاباتٍ رسمية من الجمارك البريطانية بوجود عمليات إنتاج لسجائر كليوباترا في ألبانيا، داخل مصنع "ألبانيا تاباك ALBANIA TABAK" والتنبيه المستمر بضرورة مساعدة الشركة الشرقية للدخان إيسترن كومباني -صاحبة العلامة التجارية- على وقف عمليات الإنتاج بشكل كامل.

الخطاب الأول: مايو 2015
خاطبت الجمارك الإنجليزية نظيرتها المصرية بنجاحها (مؤقتًا) في غلق مصنع "ألبانيا تاباك لإنتاج سجائر كليوباترا في ألبانيا، وضرورة مساعدة الشركة الشرقية للدخان إيسترن كومباني صاحبة العلامة التجارية على وقف عمليات الإنتاج بشكل كامل.

الخطاب الثاني: ديسمبر 2016
وضّح عودة مصنع "ألبانيا تاباك" لتصنيع سجائر كليوباترا وتصدير 8 شحنات من ألبانيا إلى ليبيا، تصدير شركة "إيكوس هولدينج جروب" المسجَّلة في جزر العذراء البريطانية، واستيراد شركة "المستقبل" في مدينة مصراتة بليبيا.

الخطاب الثالث: مارس 2017
يوضح أن عمليات الإنتاج والتصنيع لا تزال مستمرّة بالمصنع، كما حمل معلومات مهمة محددة تقول إن شحنة تحتوي على 11.5 مليون سيجارة كليوباترا سوف تُقلع من ميناء "دوريس" بألبانيا في 16 من مارس 2017، وترسو بمالطا في 19 من مارس 2017، لتصل وجهتها النهائية في ليبيا يوم 21 من مارس 2017، كما أرفقت الجمارك البريطانية بتلك الرسالة وثائق عملية تسجيل العلامة التجارية "كليوباترا" في ألبانيا، بتاريخ 7 من سبتمبر 2016، لصالح شركة ورلد وايد سبريتس سابلاي، المسجلة في جزر العذراء البريطانية.

في مايو 2015، أوقفت السلطات الألبانية إنتاج المصنع مؤقتًا لمدة عام وفتح تحقيق جنائي بخصوص عمليات الإنتاج وطلبت معلومات بخصوص سجلات تأسيس الشركات المشاركة في الإنتاج من السلطات في جزر العذراء البريطانية، وكذلك طلبت من السلطات المصرية معلومات حول سجلات تأسيس الشركة الشرقية إيسترن كومباني ومستندات ملكيتها لعلامة كليوباترا وإذا كانت الشركة سجلت العلامة في ألبانيا أم لا، كما أرسلت للشركة الشرقية صور لعلب سجائر كليوباترا التي تم ضبطها في المصنع وطلبت صور لشكل علب سجائر كليوباترا التي تنتجها الشركة لمقارنتهما معًا.

في تواصلنا مع السلطات الألبانية لمعرفة نتائج التحقيقات، قالت المدعي العام "أرماندا خافييري" أن التحقيقات أغلقت عام 2016، إلا أنها أعيد فتحها مرة أخرى عام 2017، بعدما تلقت وزارة العدل في ألبانيا ردود ومستندات من جزر العذراء البريطانية، لكن التحقيقات لم تنتهي لأنه حتى اليوم لم يصل رد من الجانب المصري.
حصلنا على سجلات تأسيس شركة "إيكوس هولدينج جروب - Eques Holding Group S.A"" من السلطات الألبانية، لنكتشف أنها تأسست في سبتمبر 2012 بجزر العذراء البريطانية، ويمتلكها السيد "فارس رشيد محمد سعيد الرفاعي" نجل السياسي والدبلوماسي العراقي الراحل "رشيد محمد الرفاعي" الذي عمل سابقًا وزيرًا لوزارات النفط والتخطيط والاتصالات والنقل وأخيرًا وزارة الأشغال والإسكان، بين أعوام 1968 و1976، ويعيش نجله "فارس الرفاعي" الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وحصلنا أيضًا على وثائق توضِّح أن شركة " ورلد وايد سبريتس سابلاي- Worldwide Spirits Supply Inc" المسجلة في جزر العذراء البريطانية، بصفتها صاحبة العلامة التجارية "كليوباترا" وقَّعت في أغسطس 2013 عقدًا لمدة 5 سنوات قابل للتجديد، مع شركة "إيكوس هولدينج جروب" بصفتها المستفيد، يتيح لشركة "إيكوس" حق استخدام علامة "كليوباترا" في التصنيع والتوزيع والتصدير، بالإضافة لحق منح العلامة التجارية لأي جهة أخرى، وهو التصريح الذي استخدمته شركة "إيكوس" بعد ذلك لإضفاء الصفة القانونية على تعاقدها مع مصنع "ألبانيا تاباك" لتصنيع سجائر "كليوباترا" وتصديرها، إذ قدَّمت نُسخًا من العقد والتصريح، بالإضافة لشهادات تسجيل علامة "كليوباترا" كملكية خاصة لشركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" داخل دول الاتحاد الأوروبي.
وتكشف الوثائق أن شركة "ورلد وايد" حصلت على هذه العلامة عبر تسجيلها في مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية، باعتبارها ملكية لها منذ يونيو 2013، أي قبل أشهر قليلة من توقيع العقد لصالح "إيكوس".

وفي عام 2014، وقَّعت شركة "إيكوس" عقدًا مع مصنع "البانيا تاباك" لإنتاج 3500 طن من سجائر كليوباترا سنويًا (300 مليون سيجارة كليوباترا شهريًا) بقيمة 15 مليون يورو، في حين أن القيمة السوقية للإنتاج بأسعار السوق المصري تُقدّر بـ151 مليون يورو سنويًا.

ووفقًا لتقديرات مسؤولي الجمارك المصرية فإن حجم الأموال الضائعة على الخزانة المصرية تصل إلى 2.2 مليار جنيه سنويًا، أي نحو 125 مليون دولار أمريكي رسومًا وضرائب، إذا كانت قد أنتجت هذه الشحنات داخل مصر.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرتْ أيضًا شركة أخرى مُسجّلة في جزر العذراء تحت اسم "إيسترن كومباني" وهو نفس اسم الشركة المصرية، وعبر خطاب رسمي منحت شركة "إيكوس" في يناير 2015 حق استخدام اسم الشركة "إيسترن كومباني" على جميع منتجاتها وفي تعاملاتها كافة، بالشكل الذي تختاره، بما في ذلك البريد الإلكتروني والمراسلات والفاكس، طوال فترة صلاحية هذا الخطاب حتى عام 2020 أو أي إشعار آخر.

بعدها بعام تقريبًا، وفي فبراير 2016، كان أول تحرّك رسمي للشركة الشرقية للدخان المصرية، إذ تقدَّمت بطلب أمام مكتب الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي، ضد شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" لإثبات ملكيتها للعلامة التجارية "كليوباترا"، وشطب تسجيل تلك الشركة للعلامة في الاتحاد الأوروبي التي تُستغّل في إنتاج سجائر كليوباترا وتصديرها في ألبانيا.
لكن في مارس 2018، بعد عدّة مراسلات وجلسات بين الممثلين القانونيين للشركتين ومطالبتهم بتقديم جميع ما يثبت ملكيتهم للعلامة التجارية سجائر "كليوباترا"، خاصة الجزء المتعلق بإثبات استخدام العلامة المتنازع عليها داخل البلد الذي تم التسجيل به لمد خمس سنوات سابقة على تاريخ تقديم الدعوى ضد الخصم، اتخذت اللجنة المُشكّلة من مكتب الاتحاد الأوروبي قرارًا برفض طلب الشركة المصرية ومطالبتها بدفع 450 يورو رسومًا وأتعابًا.

جاء في أسباب القرار الصادر من مكتب الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي، أن الشركة المصرية لم تقدِّم ما يثبت ملكيتها واستخدامها للعلامة التجارية لسجائر كليوباترا، إذ أرسل المكتب للشركة الشرقية طلبًا في مايو 2017، بضرورة تقديم جميع الأدلة خلال مهلة زمنية تنتهي في أغسطس 2017، ولكن الشركة الشرقية طلبت تمديد المهلة الزمنية إلى نوفمبر 2017، ووافق المكتب، ومع ذلك لم تتقدم الشركة الشرقية للدخان بالملف إلا في آخر يوم من المهلة الزمنية التي طلبتها، ولم يكن ما قدمته في الملف كافيًا، بحسب القرار.

أصبحت شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" بعد هذا القرار تملك صلاحية إنتاج سجائر كليوباترا وتوزيعها وتصديرها داخل الاتحاد الأوروبي رسميًا، حاولنا الحصول على رد من "فارس الرفاعي" أو ممثل شركة "إيكوس هولدينج جروب"، وكذلك شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" لكن لم يستجب لنا أي منهم.
وفي ردها علينا، قالت المديرية العامة للجمارك الألبانية، أنها تعلم بالتحقيقات حول عمليات الإنتاج وانتهاك حقوق الملكية في مصنع ألبانيا تاباك، وتنتظر نتائج التحقيقات، لكن طبقا لقواعد البيانات وما لدينا من معلومات فإن شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" بصفتها حامل الحقوق الخاصة بعلامة "كليوباترا" المسجلة محليًا في جمهورية ألبانيا، بتفويض شركة "إيكوس هولدينج جروب" لإنتاج وتصدير سجائر "كليوباترا" عن طريق التعاقد مع مصنع "ألبانيا تاباك"، لذا فنحن ملتزمون بالسماح للمصنع بتصدير تلك السجائر.

تشير الوثائق أيضًا إلى أن الشركة التي تتولى عمليات شحن السجائر من مصنع ألبانيا تاباك، هي "يوجوري" التي تملكها زوجة عمدة المدينة "الباسان- Elbasan" الموجود بها المصنع، وفي لقائنا مع "سيرف داوتي" مدير المصنع، قال إن شركة "إيكوس" طلبت منهم زيادة حجم إنتاج كليوباترا، موضحًا أن المصنع يقوم بعمليات تعبئة السجائر وتغليفها وتجهيزها للتصدير طبقًا للعقد، وأن شركة "إيكوس" المسؤولة عن إحضار التبغ وجميع مواد التعبئة، مؤكدًا أن كل العمليات داخل المصنع تتم بشكل قانوني إذ إن إيكوس لديها رخصة إنتاج سجائر كليوباترا بالإضافة لتسجيل العلامة لصالحهم في ألبانيا.
عبر قواعد بيانات Panjiva المتخصصة في حركة الصادرات والواردات التجارية، توصلنا إلى أنه في الفترة من 2016 وحتى يونيو 2018 أُرسل ما يزيد على 24 شحنة إلى مصنع ألبانيا تاباك، من شركة "بوميدالا" الهندية للتبغ، التي سبق أن ذكرنا أنها الشركة المورِّدة للتبغ للشركة الشرقية للدخان المصرية.

من جانبها، تجاهلت الشركة الشرقية الرد على أية أسئلة متعلقة بما يحدث في ألبانيا، على الرغم من محاولتنا المتكررة للتواصل عبر خطاب رسمي مع الشركة منذ نوفمبر 2017، ولكن كان الرد بتأجيل موعد المقابلة لضيق وقت الإدارة، وفي بداية نوفمبر 2018، ومع تغيير مجلس إدارة الشركة، أرسلنا الأسئلة التفصيلية للشركة عبر البريد المسجل، لترد الشركة علي بعض الأسئلة وتجاهلت الكثير منها، لنرسل بعدها خطاب ثاني لهم بما تبقى من أسئلة مع مهلة للرد عليها حتى يوم 27 نوفمبر 2018، لكن تم تجاهله أيضًا.

لكن لم تكن ألبانيا الدولة الوحيدة التي تُنتج شركة "إيكوس" سجائر كليوباترا فيها، فخلال رحلة البحث عثرنا على وثائق تثبت استخدام نفس الشركة مصنع "فيناتابا – Vinataba" في فيتنام.


فيتنام .. الملكية

"شركة "فيناتابا - Vinataba" بفيتنام، منذ عام 2012 تصنع سجائر تُقلد منتجاتنا من صنف كليوباترا، تصدّرها إلى ليبيا ثم يعاد تهريبها وبيعها داخل السوق المصري".

هكذا ردّت الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" في أبريل من 2015 على استفسار من مصلحة الجمارك المصرية بخصوص الإجراءات التي اتخذتها الشركة حيال مواقع إنتاج سجائر كليوباترا وتقليدها في الخارج.
بدأنا عملية البحث من خلال قواعد بيانات مكتب تسجيل حقوق الملكية والعلامات التجارية في فيتنام، لنحصل على وثيقة تفيد محاولة شركة "إيكوس هولدينج جروب" المسجّلة في جزر العذراء البريطانية، تسجيل علامة "كليوباترا" كملكية خاصة بها في سبتمبر عام 2012، وهي نفس الشركة التي تدير عمليات إنتاج سجائر كليوباترا وتهريبها في ألبانيا، والشركة مسجَّلة باسم رجل الأعمال العراقي "فارس الرفاعي".

رُفض طلب شركة "إيكوس" بسبب تسجيل مُسبق لعلامة كليوباترا باسم الشركة الشرقية للدخان المصرية، واستخدام العلامة في فيتنام آخر ٥ سنوات، لتقيم "إيكوس" دعوى في أغسطس 2013، أمام المكتب القومي للملكية الفكرية بفيتنام، لإسقاط تسجيل الشركة الشرقية للدخان لعلامة كليوباترا، وطلب تسجيلها باسمها.

دعمت الخطوة السابقة شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" بصفتها مالك علامة كليوباترا التي سجَّلتها في الاتحاد الأوروبي في يونيو 2013، وراسلت مكتب الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي، في سبتمبر 2013 أنهم بصدد إنتاج سجائر كليوباترا في فيتنام، وأن السلطات الفيتنامية تريد وثيقة رسمية من المكتب تؤكد أن الشركة هي المالك لعلامة كليوباترا.
إلا أن رد الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" جاء هذه المرة سريعًا عكس سابق خطواتها، بعدها بشهر، فقط تعاقدت مع مكتب المحاماة "داي تان" الفيتنامي لإثبات ملكيتها لعلامة كليوباترا في فيتنام.

في لقائنا مع أحد محامي المكتب قال إن الشركة الشرقية للدخان قدمت أوراقًا تثبت تسجيلها للعلامة التجارية كليوباترا في فيتنام منذ عام 2000، بالإضافة لما يثبت استخدامها سجائر كليوباترا في فيتنام قبل 2013، لذلك نجحوا في يونيو 2014، في الحصول على قرار برفض دعوى شركة "إيكوس" لتسجيل علامة كليوباترا في فيتنام، والإبقاء على ملكية الشركة الشرقية للدخان لها.

كما أكَّد المحامي إن صدور القرار لا يعني بالضرورة وقف الإنتاج، موضحًا "استمرار شركة "إيكوس" ومصنع "فيناتابا" في عمليات إنتاج كليوباترا، يعطي الشركة الشرقية للدخان الحق في رفع دعوى أمام المحاكم الفيتنامية لغلق المصنع والمطالبة بتعويض”.
تشير الوثائق التي أرسلتها الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" في ردّها علينا، إلى أنها أرسلت شكوى في خطابين إلى سفير مصر بفيتنام، أكتوبر 2012 ويونيو 2014، ليخاطب السلطات الفيتنامية لوقف الإنتاج، وجاء رد السفير في يونيو 2014، أنّه خاطب وزارة الصناعة والتجارة الفيتنامية التي ردّت عليه وأكدت أنهم سيتحققون من الأمر.

لكنّ في عدد مجلة "كليوباترا" السنوي الصادر عن الشركة الشرقية في أكتوبر 2017، ذكرت أن الجمارك المصرية نجحت في أكتوبر 2016 في إعدام شحنة سجائر كليوباترا قادمة من فيتنام تقدر قيمتها ب 30 مليون جنية وهو ما يؤكد أن الإنتاج ما زال مستمرًا هناك. حاولنا التواصل مع مسؤولي مصنع "فيناتابا" للتعقيب، ومع السلطات الفيتنامية لمعرفة هل توقف الإنتاج أم لا يزال مستمرًا، لكننا لم نحصل على رد.

لكن خطابات أخرى للشركة الشرقية للدخان المصرية كانت تشير إلى أن رجل الأعمال الأردني "عوني مطيع عيسى" هو مَن يقف وراء شبكات الإنتاج والتهريب في فيتنام وأماكن أخرى.


الأردن .. الهروب

في يوليو عام 2010، احتفلت قيادات شركة الشرقية "إيسترن كومباني" بافتتاح مصنع جديد لإنتاج التبغ وسجائر الكليوباترا في منطقة الزرقاء بالأردن، كاستثمار مشترك مع شركة "التاج لصناعة التبغ والسجائر والمعسل"، بقيمة 14 مليون دولار.

قالت الشركة -في تصريحات صحفية- إن ذلك بغرض التوسع وزيادة حجم صادرات سجائر كليوباترا. وطبقًا لوثيقة التسجيل على موقع دائرة مراقبة الشركات الأردنية، فإن صاحب الملكية الأكبر لشركة "التاج" هو رجل الأعمال الأردني "عيسى يوسف مطيع عيسى"، وقد تأسّست في فبراير 2007 لكن طبقًا لمستندات اتفاقية التصنيع الخارجي التي وقّعت بين الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" وشركة "التاج" في أكتوبر 2009، كان ممثلّ الأخيرة رجلُ الأعمال الأردني "عوني يوسف مطيع عيسى" بصفته رئيس مجلس الإدارة، بموجب توكيل من أخيه "عيسى" مالك الشركة، كما مُنحت لشركته رخصةٌ حصرية لتصنيع بعض علامات كليوباترا والمنتجات الأخرى، بالإضافة للتوزيع في بعض الدول التي تحددت أسماؤها في ملحق إضافي لاتفاقية الترخيص.

لكن الشراكة بين الشركتين لم تدم طويلا، ففي منتصف عام 2011، أخطرت الشركة الشرقية شركة "التاج" قانونيًا بانتهاء العمل بأحكام الاتفاقية، موضّحة أن الأخيرة أخلَّت بالتزاماتها في شروط التعاقد.

لكن الشركة وضَّحت أسبابًا أخرى في خطاب صادر للجمارك المصرية، ذكرت فيه أن شركة "التاج" أنتجت كميات من سجائر كليوباترا دون إخطارها، كما هرَّبت كميات أخرى إلى السوق المصري، فرفعت الشركة الشرقية دعوى قضائية أمام المحاكم الأردنية ضد شركة التاج برقم 29292/2012، لا تزال متداولة أمام القضاء الأردني.

لكنّ قرار إنهاء الشراكة لم يُوقف استمرار "شركة التاج" عن إنتاج السجائر، لتنشر الشركة الشرقية للدخان في أغسطس 2012 تحذيرًا باللغة الإنجليزية عبر مجلة "توباكو إنترناشيونال" من التعامل مع شركة "التاج" يوضّح إنهاء الترخيص والشراكة بين الشركتين، رغم استمرار شركة التاج في التعامل ببعض العلامات التجارية المملوكة للشركة الشرقية دون ترخيص.

العديد من الوثائق الصادرة عن الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" -التي حصلنا على نسخ منها- تشير إلى اتهام رجل الأعمال "عوني مطيع" بأنه وراء عمليات إنتاج سجائر كليوباترا وتهريبها في عدد من الدول الأجنبية، خاصة فيتنام، مستخدمًا الترخيص الملغي الذي منحته إياه، بعد توقيع اتفاقية بين شركة "التاج" والشركة الشرقية إيسترن كومباني، لتصنيع منتجاتها في الأردن وتصديرها إلى دول أخرى، لكننا لم نستطع التأكد من هذه الاتهامات.

لكن في يوليو عام 2018 عندما شكَّلت حكومة أردنية جديدة بقيادة الدكتور عمر الرزاز، وإثر شكوى تقدَّم بها النائب مصلح الطراونة، في أثناء جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة، أصدرت السلطات الأردنية قائمة تحوي 30 اسمًا للقبض عليهم ومنعهم من السفر، على رأسهم "عوني مطيع" وأبناؤه "بشار ويوسف" وأخوه "عيسى" مالك شركة التاج التي وقَّعت الاتفاقية مع الشركة الشرقية إيسترن كومباني، بتهمة تصنيع السجائر وتهريبها بطرق غير شرعية، بعد مداهمة 4 مواقع إنتاج يمتلكها "عوني مطيع"، إلا أن رجل الأعمال الأردني تمكن من الهرب إلى لبنان، قبل يوم واحد فقط من إصدار أمر القبض عليه.

ومع بداية أغسطس 2018، أصدرت السلطات الأردنية مذكرة بحث عن "عوني مطيع" أوردت فيها أنه متهم بارتكاب جرائم اقتصادية وممارسة نشاط غير مشروع داخل الأراضي الأردنية، تمثلت في تصنيع كميات كبيرة من السجائر المغشوشة وتهريبها بطرق غير مشروعة، وترتّب على المتهم دفع رسوم وغرامات جمركية لصالح خزينة الدولة تقدر بنحو 177 مليون دينار أردني (ما يقارب 250 مليون دولار أمريكي) في الفترة من 2004 إلى 2014.

كما أصدر الإنتربول الدولي نشرة دولية حمراء للبحث عن عوني مطيع، ذكرت احتمالية وجوده في لبنان أو تركيا.

يمتلك "مطيع" العديد من الشركات في الدول الأوروبية المتخصصة في مجال تجارة التبغ وتصنيعه، ففي رومانيا لديه شركة تحت اسم "باشروم 2000"، توضّح أوراق تسجيلها أنها بدأت نشاطها عام 2001، في مجال المعجنات والحلويات والبن والمشروبات، وأضاف لها بعد ذلك في عام 2002 تجارة التبغ وتصنيعه، كما يمتلك أيضًا شركة أخرى تحت اسم "التاج الذهبي للاستثمار" في جورجيا، تأسست عام 2017، ومجال عملها الأساسي تجارة أوراق نبات التبغ وتصديرها.

في تواصلنا مع وصفي أبو رمان، محامي رجل الأعمال عوني مطيع، قال إنه ليس وكيلًا عامًا لرجل الأعمال، وإنما يدافع عنه في قضية جديدة متعلقة بارتكاب جرائم اقتصادية وممارسة نشاط غير مشروع داخل الأراضي الأردنية، وليس لديه علم بخصوص أي نزاع قضائي مع شركة الشرقية للدخان، مشيرًا إلى صعوبة التواصل مع موكله -عوني- للرد على مُعدّ التحقيق في الوقت الحالي، لكن في منتصف ديسمبر قُبض على "عوني" في تركيا بمساعدة الإنتربول الدولي.

لكن في إحدى الوثائق المرسلة من الشركة الشرقية إلى مصلحة الجمارك المصرية في 2015، ذُكر أن "عوني مطيع" مستمر في تقليد سجائر كليوباترا عبر شريك ليبي له في منطقة امساعد بليبيا.


ليبيا .. نقطة تجميع

لم يكن اختيار القائمين على عمليات الإنتاج والتهريب دولة ليبيا عشوائيًا، فهي المكان المثالي حيث تنعدم السيطرة الأمنية منذ عام 2011، وتتقاسم الجماعات المسلحة المتصارعة السيطرة على أجزاء متفرقة من الدولة، مما يسهِّل دخول سفن شحنات السجائر المهربة وخروجها، كما يسهّل عمليات توصيل السجائر للمهربين لينطلقوا بها عبر الدروب الصحراوية لتصل إلى مصر التي تتشارك معها الحدود البرية.

في إحدى الوثائق التي قدّمتها الشركة الشرقية للدخان إلى مصلحة الجمارك المصرية في أبريل 2015، لطلب المساعدة على وقف عمليات التصنيع، ذكرت أن وراء عمليات التصنيع والتهريب في ليبيا شخص يدعى "حاتم فرج ارحومة" يمتلك موقعًا إنتاجيًا بمنطقة امساعد الحدودية الليبية، يستغله في تصنيع سجائر كليوباترا وإعدادها للتهريب، بمشاركة رجل الأعمال الأردني عوني يوسف مطيع عيسى.

وبالبحث عن رجل الأعمال الليبي اكتشفنا أن "ارحومة" يتمتع بنفوذ كبير في ليبيا، خاصة في الموانى والمنافذ البرية، وله عدة ألقاب، وسبق أن التقى المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، واختير عضوًا في اللجنة التأسيسية للمنطقة الحرة الليبية بامساعد، في أبريل 2016.

"رجل أعمال ليبي، يضمن عمليات إنزال البضاعة عبر البحر إلى الأراضي الليبية وتخزينها ثم تهريبها إلى مصر عبر الصحراء الغربية". كانت هذه بعض كلمات اللواء أحمد عمر، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وقتها، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب في فبراير 2017، يتحدث فيها عن رجل أعمال ليبي دون تسميته بعد ضبط شحنة مخدرات كبيرة حمولتها 75 مليون قرص مخدر، كانت على متن حاويات متجهة إلى ميناء بورسعيد ومنه إلى ليبيا.
لكن محكمة جنايات بورسعيد ذكرت في ديسمبر 2017 أن اسمه "حاتم فرج ارحومة" وحكمت عليه غيابيًا بالسجن المؤبد، وتغريمه 500 ألف جنيه، وأن يؤدّي تعويضًا جمركيًا قدره 80 مليون جنيه، حاولنا التواصل مع "حاتم" للحصول على تفسير لما لدينا من معلومات، لكن لم نستطع الوصول إليه.

في أكتوبر 2015 أرسلت الجمارك المصرية بريدًا إلكترونيًا إلى مسؤولي الجمارك الليبية، لإبلاغهم بوجود شحنات سجائر كليوباترا مقلَّدة على متن سفينة أبحرت من ميناء "بار" بجمهورية الجبل الأسود، في طريقها إلى ميناء طبرق بليبيا، ومطالبتهم بالتحفظ على هذه الشحنات واتخاذ الإجراءات القانونية.

جاء رد مسؤولي الجمارك الليبية بعد ذلك بضرورة اتخاذ الشركة الشرقية إجراءاتٍ قانونية من خلال وكيل لها في ليبيا.
لكن في أغسطس 2016، جاء رد الشركة الشرقية للدخان على استفسار الجمارك المصرية بخصوص الإجراءات التي اتّخذتها الشركة لوقف عمليات التصنيع والتهريب لسجائر كليوباترا في ليبيا، كالتالي:

"نظرًا لظروف الحرب في ليبيا، لم تتمكّن الشركة من تعيين وكيل لها لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشحنات المقلدة التي تدخل ليبيا"

لكن سلسلة إنتاج سجائر كليوباترا وتهريبها لم تنته بوصول الشحنات إلى ليبيا ومنها إلى السوق المصري، إذ إن عدم وجود ملاحقات قانونية من طرف الشركة الشرقية إيسترن كومباني ضد القائمين على عمليات التصنيع والتهريب، شجّع تلك الشركات على التوسع في أماكن الإنتاج، ليبدأ فصل جديد من الصراع بينها.


الصراع

في الوقت الذي كانت فيه إدارة الشركة الشرقية للدخان تكتفي بالمطالبة بإعدام شحنات السجائر المضبوطة، دون اتخاذ الإجراءات المطلوبة، ومقاضاة الشركات المُصنِّعة، كانت تلك الشركات تُخطط وتختار خطواتها الجديدة للتوسّع في عمليات الإنتاج.

بعد ضبط شحنة سجائر كليوباترا المتّجهة إلى ليبيا بالمواني اليونانية في مارس 2015، من إنتاج شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، تبيَّن من المستندات أن "ليبرتي" كانت تنفذ هذه العملية لصالح شركة أخرى تسمى "ملفينكو إس إيه"، مسجلة في دولة ليختنشتاين، وهي إحدى الملاذات الضريبية، إذ سجَّلت شركة "ملفينكو" العلامة التجارية "كوين كليوباترا" كملكية خاصة بها باليونان في يوليو 2015، فاليونان تقع على خط السير الملاحي للسفن التي تحمل شحنات سجائر كليوباترا المزيفة من دولة التصنيع "جمهورية الجبل الأسود" في طريقها إلى دولة التصدير "ليبيا".

وبذلك تؤمِّن الشركة شحناتها ضد أي محاولة مستقبلية لضبطها. سبق ذلك تسجيل الشركة 3 علامات تجارية أخرى هي "كليوباترا ملفينكو" و"كليوباترا سوبر ستار" و"كليوباترا جولدن كينج" في اليونان منتصف 2013.

الخطوات نفسها اتّخذتها شركة "وورلد وايد سبريتس سابلاي"، التي منحت شركة "إيكوس" حقّ استخدام علامة "كليوباترا" -كما ذكرنا- وبدورها استخدمتها للتصنيع في فيتنام وألبانيا، بناء على تسجيل "وورلد" العلامة في مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية عام 2013.

ومن أجل تأمين شحنات كليوباترا، سجَّلت شركة "وورلد وايد سبريتس سابلاي"، في الفترة من نوفمبر 2015 إلى أكتوبر 2016، نحو4 علامات في مالطا هي "كليوباترا كينج سايز وكليوباترا جولدن كينج وكليوباترا كينج وكوين كليوباتر، إذ تقع دولة مالطا على الخط الملاحي لسير السفن التي تحمل شحنات كليوباترا المزيفة من دولة التصنيع "ألبانيا" في طريقها إلى ليبيا، وبذلك تؤمِّن شحناتها ضد أي محاولة مستقبلية لضبطها عند وقوفها في مواني مالطا، كما سجَّلت الشركة بعد ذلك في يونيو 2015، اسم علامة "كليوباترا كوين" وشكلها داخل مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية.

ولزيادة الحماية القانونية لعمليات الإنتاج في ألبانيا، سجَّلت شركة "وايد سبريتس سابلاي"، في الفترة من يناير 2016 إلى يناير 2017، نحو 6 علامات، هي: "كليوباترا وكوين كليوباترا وكليوباترا كوين وكليوباترا كينج وكليوباترا جولدن كينج وكليوباترا كينج" في الإدارة العامة للعلامات التجارية في ألبانيا.

لكن في سبتمبر 2015، بدأ صراع بين الشركتين داخل الاتحاد الأوروبي، إذ إن اليونان ومالطا عضوان به، من أجل إثبات ملكية كل شركة منهما لعلامة كليوباترا، واتهام الأخرى بالتزييف، أقامت شركة "ملفينكو" دعوى عدم صلاحية ضد شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" أمام مكتب حقوق الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي، تتهمها بتقليد اسم علامتها التجارية "كليوباترا كوين"، وقدَّمت أوراق تسجيلها العلامة في اليونان عام 2013 و2015 دليلًا على أسبقيتها في تسجيل العلامة قبل شركة "ورلد وايد سبريت سابلاي"، ليأتي قرار المكتب في سبتمبر 2016، بأحقية شركة "ملفينكو" في اسم علامة "كوين كليوباترا."
لم تكتف شركة ملفينكو بذلك، بل رفعت دعوى جديدة أمام المكتب في نهاية 2017، بخصوص أحقيتها في شكل العلبة التي تحمل العلامة "كوين كليوباترا"، كما قدَّمت صورًا لشكل علبة السجائر كليوباترا التي تُنتجها.

ردَّت شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاس" على الدعوى بأن شركة "ميدل إيست توباكو – ميتكو" هي الشركة الأم، ومنتجاتها من السجائر والتبغ موجودة بشكل مستمر في السوق منذ سنوات عديدة، وعلامتها التجارية "كليوباترا كوين"، وشكل علبة السجائر تختلف عن تلك التي تنتجها شركة "ملفينكو" في بعض الجوانب.
لكن شركة "ملفينكو" ردَّت بأن شكل العلب التي تنتجها شركة "ميتكو" يتطابق مع شكل العلب التي تنتجها، وطالبت مكتب حقوق الملكية الفكرية التابع للاتحاد الأوروبي بإقرار عدم صلاحية العلامة التجارية لشركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" وشركتها الأم "ميتكو"، ليصدر القرار النهائي في أغسطس 2018، بأحقية شركة "ملفينكو" في شكل العلبة لعلامة "كليوباترا كوين".
حصلنا على وثائق القضايا من خلال موقع مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية، لنكتشف أن صور علبة كليوباترا التي قدّمتها شركة "ملفينكو" جاءت متطابقة تمامًا لشكل العلبة التي تُنتجها الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" في مصر، بما في ذلك شكل وجه كليوباترا، ومكتوب عليها أيضًا باللغة العربية بجانب اللغة الإنجليزية، بالإضافة لنفس الجُمل التحذيرية أسفل العلبة، ورقم الخط الساخن للإقلاع عن التدخين.

من خلال بحثنا في قواعد بيانات موقع TM view المتخصّص في عرض تفاصيل العلامات التجارية، تبيَّن أن تحركات الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" لتسجيل علامات كليوباترا، جاءت متأخرة سبعة أشهر في ألبانيا، وعامًا في مالطا، عن تحركات شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي".

إذ قدَّمت الشركة الشرقية طلبًا لتسجيل 9 علامات كليوباترا بألبانيا في سبتمبر 2015، لكن توقَّف التسجيل بعد الطعن على الطلب. وفي مالطا، تقدَّمت بطلب لتسجيل 9 علامات كليوباترا في يناير 2016، رُفِضت منها ٨، والتاسع لا يزال قيد الفحص، حتى موعد نشر التحقيق.

من جانبها، أرسلت الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" ردًا مكتوبًا على بعض استفساراتنا، وذكرت أن العلامة التجارية "كليوباترا" مسجَّلة دوليًا بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO، بعدد 9 علامات لعائلة كليوباترا، وفقًا لاتفاقية وبروتوكول مدريد في العديد من الدول، وكذلك هناك تسجيل إقليمي لعدد 10 علامات كليوباترا في عدد 155 دولة، بعضها ما زال يستكمل إجراءات التسجيل.

وبخصوص العلامات التجارية التي سجَّلتها شركة ملفينكو في اليونان عام 2013، تحت اسم "كليوباترا ملفينكو" و"كليوباترا سوبر ستار" و"كليوباترا جولدن كينج" قالت الشركة إنها في يونيو 2015، رفعت 3 دعاوى لإلغاء تسجيل تلك العلامات في اليونان، وأن الدعاوى ما زالت قائمة. لكن الشركة لم تردّ على أسئلتنا بشأن تسجيل شركة "ملفينكو" علامة "كليوباترا كوين" في يوليو 2015 باليونان، وكذلك عن أسباب تأخر الشركة في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد تسجيل تلك الشركات للعلامة التجارية "كليوباترا".

لكن بالبحث على موقع المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO، تبيَّن بالفعل أن الشركة الشرقية "إيسترن كومباني"، سجَّلت عددًا من علامات كليوباترا، لكنها لم تسجل حتى الآن علامة "كليوباترا كوين" وهي النوع الأشهر الذي يُنتَج ويُهرَّب في الدول الأجنبية.

كما وجدنا أن شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي" سجَّلت علامة كليوباترا، وكذلك علامتي "كليوباترا كوين" و"كوين كليوباترا" في المنظمة، بتقديم ما يفيد تسجيلها تلك العلامات في مكتب الملكية الفكرية للاتحاد الأوروبي، لكن شركة "ملفينكو إس إيه" أرسلت الأحكام الصادرة لصالحها في تلك العلامات من مكتب الاتحاد الأوروبي، لتشطب المنظمة العالمية للملكية الفكرية ملكية شركة "ورلد وايد سبريتس سابلاي".
يقول مارك لملي -الأستاذ بكلية الحقوق جامعة ستانفورد، والخبير في الملكية الفكرية- إن أوَّل شخص يسجّل علامة في بلد معين ويستخدمها، يحصل على حقوقها في هذا البلد، ولكن تسجيل العلامة لا يمنح صاحبه الحق في البيع في أي مكان، باستثناء البلد الذي سجّل فيه.

وأضاف: "إذا كانت شركة أخرى تمتلك العلامة التجارية كليوباترا في الجبل الأسود، بينما الشركة الشرقية تمتلك الحقوق في ليبيا، فإن عمليات استيراد كليوباترا من الجبل الأسود تمثل انتهاكًا للقوانين الدولية".

وبرغم استمرار تدفق شحنات سجائر كليوباترا المهربة إلى ليبيا منذ عام 2012 وحتى الآن، خاصة كليوباترا كوين، لم تسجل الشركة الشرقية ايسترن كومباني في ليبيا سوى علامتي كليوباترا سوبر وكليوباترا كينج سايز، وذلك طبقا لخطاب أرسلته الشركة الشرقية في ردها على استفسارات الجمارك المصرية حول تسجيل علامات كليوباترا في ليبيا واتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشحنات المهربة.

لكن بعيدًا عن الصراع بين الشركات الأوروبية بخصوص ملكية سجائر العلامة التجارية كليوباترا، قالت الشركة الشرقية "إيسترن كومباني"، في تقرير داخلي، صدر في يونيو 2015 وحصلنا على نسخة منه، إن الحافز القوي لزيادة عمليات تصنيع سجائر كليوباترا في الخارج وتهريبها إلى السوق المصري، الزيادات المتتالية في الضرائب المفروضة على السجائر المبيعة داخل السوق المصري، إذ كانت السجائر المقلدة تمثل 0.3% عام 2010، بينما وصلت إلى 20% عام 2012، وبينما تراجعت في عام 2014، فمع الزيادة الضريبية في فبراير 2015، حدث تحوّل نوعي وضخم في عمليات التهريب والتقليد.

يدعم ذلك ما نُشر من بيانات صحفية على صفحة المتحدث العسكري للجيش المصري خلال الفترة من ديسمبر 2013 إلى مارس 2018 بخصوص حجم عمليات التهريب، إذ تمكَّنت قوات حرس الحدود في المنطقة الغربية من ضبط العديد من قوافل التهريب القادمة من ليبيا إلى مصر، محمَّلة بالسجائر والأسلحة والمخدرات، وكان لسجائر كليوباترا النصيب الأكبر من المضبوطات، بالإضافة لبعض ماركات السجائر الأخرى التي تُصنع أيضًا في نفس المصانع التي تقلّد كليوباترا.

وطبقًا لمستند نشرته الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" بخصوص أسعار السجائر بعد الزيادة الضريبية الجديدة في يوليو 2018، فإن سعر البيع الأساسي لعلبة سجائر كليوباترا يبلغ 3.40 جنيه، نحو 0.20 دولار أمريكي، وهو ما يعادل التكاليف وربح الشركة، ولكن يضاف عليه 12.60 جنيه، نحو 0.70 دولار أمريكي، رسوم وضرائب تذهب إلى خزانة الدولة ليصبح سعر البيع للمستهلك في السوق المصري هو 16 جنيه، نحو 0.90 دولار أمريكي.

على مدار عامين، حاولنا الوصول إلى مالكي الشركات الرئيسية المشتركة في عمليات التصنيع غير الشرعية بالدول الأوروبية، في ظل تقاعس الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" عن حماية العلامة التجارية "كليوباترا"، ليصل الأمر للصراع بين شركات أوروبية على حق العلامة، واستمرار هذه الشركات في التوسع بعمليات الإنتاج وزيادة حجمه وإيصاله إلى عدد أكبر من المستهلكين.


في ألبانيا

لم يكتف القائمون على عمليات الإنتاج (شركة إيكوس ومصنع ألبانيا تاباك) بالاستمرار على نفس حجم التعاقد لإنتاج 3500 طن من سجائر كليوباترا سنويًا، والذي سينتهي في عام 2020، بل أنشأ سيرف داوتي (ممثل مصنع ألبانيا تاباك)، وفارس الرفاعي (مالك شركة ايكوس هولدينج جروب)، شركة جديدة "ايكوس ترايدينج - Eques Trading Company" كخطوة أولى لإنشاء مصنع جديد في ألبانيا، من أجل زيادة حجم إنتاج كليوباترا هناك.


في الجبل الأسود

عاد القائمون على عمليات إنتاج سجائر كليوباترا للظهور، ولكن بشكل أكثر قوة، إذ أُنشئت في يونيو 2017 شركة (ليبرتي إف زد إي)، التي تتخذ من منطقة بار مقرًا لها، وطبقًا لوثيقة التسجيل، فإن المالك هو شركة "ليبرتي إف زد إي" في الإمارات العربية المتحدة، والممثل الرسمي للشركة هو "كونستانتينوس فيروجينيس"، والمدير المسؤول هو "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش" الذي كان يشغل منصب المدير التنفيذي لمصنع التبغ "دي كيه بي" وقت توقيع عقد الشراكة مع شركة ليبرتي في عام 2013 خلال إنتاج سجائر كليوباترا في المصنع.


في ليبيا

لا يزال "حاتم ارحومة" المسؤول عن عمليات التهريب عبر الحدود الليبية المصرية، يتمتع بنفوذه على الأراضي الليبية، فرغم الحُكم الصادر ضده من محكمة مصرية بالسجن لمدة 25 عامًا، على خلفية قضية جلب وتهريب شحنة مخدرات، ظهر "حاتم ارحومة" وهو يقود قافلة مواد غذائية كبيرة تبرعًا منه للكتيبة 309 من الجيش الليبي التابع لخليفة حفتر.


في مصر

قرَّرت الحكومة المصرية زيادة حصيلة الضرائب التي تصبّ في الخزانة العامة، برفع أسعار سجائر كليوباترا في السوق المصري، من 4.5 جنيه (0.75 دولار) عام 2011، وصولا إلى 16 جنيهًا (0.89 دولار) عام 2018، لكن في الوقت نفسه كانت خزانة الدولة المصرية تخسر سنويًا ما يزيد على 5 مليارات جنيه، بسبب عمليات إنتاج وتهريب سجائر كليوباترا في العديد من الدول، وتقاعس الشركة الشرقية "إيسترن كومباني" عن اتخاذ الإجراءات القانونية لوقف الإنتاج والمطالبة بتعويض عن تلك الخسائر.