Show Menu
True Story Award 2024

السجون الجديدة وتحديث الانتهاكات

في السجون الثلاثة التي قضى فيها سامر* سنوات حبسه على ذمة قضايا سياسية تعود لعام 2015، كان أبرز ما يهون عليه هو النظر للسماء من «نضارة الزنزانة»؛ تلك الفتحة في أعلى باب الزنزانة التي ينظر منها مساءً إلى السماء، يتحدث عبرها مع زملائه في زنازين العنبر، ويتبادلون أكواب الشاي. ينتظرون الصباح للتنقل بين الزنازين المجاورة داخل العنبر الواحد، والخروج وقت التريض لقضاء بعض الوقت تحت أشعة الشمس في مكان محاط بالأشجار.

لكن، مع انتقاله إلى مركز الإصلاح والتأهيل بمجمع «سجون بدر» في الأول من أكتوبر الماضي، وجد نفسه محاصرًا داخل قالب إسمنتي. أربعة جدران يتخللها باب مصمت، به فتحتان: الأولى على ارتفاع نصف متر من أرض الزنزانة تُفتح لإدخال التعيين «وجبات السجن»، والثانية تعلوها بـ140 سم ولا تُفتح أبدًا. وسيلته الوحيدة للتواصل مع الخارج هي زر يضغط عليه في حالة الطوارئ ليرد عليه معاون شرطة على الجانب الآخر ردًا واحدًا لا يتغير، بعدما يستمع إلى الشكوى: «حاضر هنبلغ». لا يغادره سوى أقل من ساعتين في اليوم بعد أن يجلس على ركبتيه ويُخرج يده من فتحة باب الزنزانة السفلية ليتم وضع الكلابشات في يده قبل أن يتم فتح الباب والخروج منها إلى فناء إسمنتي محاط بسلك فتحاته ضيقة.

لحسن حظ سامر، لم تطل مدة بقائه في سجن بدر أكثر من 16 يومًا، حيث أعلنت لجنة العفو، في 16 أكتوبر الماضي، نجاح وساطتها مع الأجهزة الأمنية لإخلاء سبيله ضمن قائمة ضمت 24 سجينًا سياسيًا آخرين.

يتفق عدد من أهالي المساجين بـ«بدر 1 و3» على وجود بعض الاختلافات في السجون الجديدة، تمثلت في تجهيزات تكنولوجية، إلا أن كثيرًا منهم أشار إلى أن هذه التجهيزات نفسها أصبحت تستخدم كوسائل لانتهاكات حقوق المساجين بدلًا من تحسين ظروف احتجازهم، إضافة إلى استمرار بعض الانتهاكات الأخرى المعتادة (مثل المنع من الزيارة أو الحرمان من التريض، أو تدني الرعاية الصحية)، والتي لم تتغير مع تغير السجن. منظمات حقوقية اعتبرت السجن الجديد أسوأ حتى من سجن طرة شديد الحراسة، المعروف بـ«العقرب»، سيء السمعة، واصفين إياه بـ«جوانتانامو»، وذلك في توثيقهم وفاة ثلاثة سجناء به خلال الشهرين الماضيين بسبب عدم تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة.

السجون الجديدة وتحديث الانتهاكات
رنا ممدوح
في السجون الثلاثة التي قضى فيها سامر* (اسم مستعار)، سنوات حبسه على ذمة قضايا سياسية تعود لعام 2015، كان أبرز ما يهون عليه هو النظر للسماء من «نضارة الزنزانة»؛ تلك الفتحة في أعلى باب الزنزانة التي ينظر منها مساءً إلى السماء، يتحدث عبرها مع زملائه في زنازين العنبر، ويتبادلون أكواب الشاي. ينتظرون الصباح للتنقل بين الزنازين المجاورة داخل العنبر الواحد، والخروج وقت التريض لقضاء بعض الوقت تحت أشعة الشمس في مكان محاط بالأشجار.
لكن، مع انتقاله إلى مركز الإصلاح والتأهيل بمجمع «سجون بدر» في الأول من أكتوبر الماضي، وجد نفسه محاصرًا داخل قالب إسمنتي. أربعة جدران يتخللها باب مصمت، به فتحتان: الأولى على ارتفاع نصف متر من أرض الزنزانة تُفتح لإدخال التعيين «وجبات السجن»، والثانية تعلوها بـ140 سم ولا تُفتح أبدًا. وسيلته الوحيدة للتواصل مع الخارج هي زر يضغط عليه في حالة الطوارئ ليرد عليه معاون شرطة على الجانب الآخر ردًا واحدًا لا يتغير، بعدما يستمع إلى الشكوى: «حاضر هنبلغ». لا يغادره سوى أقل من ساعتين في اليوم بعد أن يجلس على ركبتيه ويُخرج يده من فتحة باب الزنزانة السفلية ليتم وضع الكلابشات في يده قبل أن يتم فتح الباب والخروج منها إلى فناء إسمنتي محاط بسلك فتحاته ضيقة.
لحسن حظ سامر، لم تطل مدة بقائه في سجن بدر أكثر من 16 يومًا، حيث أعلنت لجنة العفو، في 16 أكتوبر الماضي، نجاح وساطتها مع الأجهزة الأمنية لإخلاء سبيله ضمن قائمة ضمت 24 سجينًا سياسيًا آخرين.
يتفق عدد من أهالي المساجين بـ«بدر 1 و3» على وجود بعض الاختلافات في السجون الجديدة، تمثلت في تجهيزات تكنولوجية، إلا أن كثيرًا منهم أشار إلى أن هذه التجهيزات نفسها أصبحت تستخدم كوسائل لانتهاكات حقوق المساجين بدلًا من تحسين ظروف احتجازهم، إضافة إلى استمرار بعض الانتهاكات الأخرى المعتادة (مثل المنع من الزيارة أو الحرمان من التريض، أو تدني الرعاية الصحية)، والتي لم تتغير مع تغير السجن. منظمات حقوقية اعتبرت السجن الجديد أسوأ حتى من سجن طرة شديد الحراسة، المعروف بـ«العقرب»، سيء السمعة، واصفين إياه بـ«جوانتانامو»، وذلك في توثيقهم وفاة ثلاثة سجناء به خلال الشهرين الماضيين بسبب عدم تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة.
في 11 سبتمبر من العام الماضي، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، متضمنة فيما يخص حقوق السجناء عدة أهداف على رأسها «تطوير وتحديث منشآت السجون وإنشاء سجون جديدة، لتقليل الكثافة العددية وتحسين مستوى إعاشة السجناء ورعايتهم الصحية». تبع هذا إعلان إنشاء أكبر مجمع سجون في مصر في منطقة وادي النطرون، يتبعها إنشاء سبعة أو ثمانية سجون أخرى، قال السيسي إنها مصممة على «الطريقة الأمريكية» دون توضيح ما يعنيه ذلك على مستوى بنية السجن ومساحة الزنازين أو الممارسات داخله، (خصوصًا أن النظام الأمريكي في السجون سيء السمعة إذا تم مقارنته بالسجون في أوروبا مثلًا بشكل عام)، بحسب الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ماريان سيدهم، موضحة لـ«مدى مصر» أنها لا تعرف الدلالة التي تقصدها السلطة من وراء الترويج للسجون الجديدة بتشبيها بالنموذج الأمريكي الذي يواجه انتقادات حقوقية كثيرة.
اللافت أن سجن العقرب الذي تم نقل السجناء منه إلى سجن بدر لتحسين ظروف احتجازهم، أنشئ أيضًا عام 1993 استلهامًا من التجربة الأمريكية في السجون، وذلك بعدما أعجب وزير الداخلية السابق، حسن الألفي، بمقترح قدمه عدد من الضباط عقب عودتهم من بعثة تدريبية في الولايات المتحدة بإنشاء سجون شديدة الحراسة.
حديث السيسي سبقه إعلان وزارة الداخلية في الأول من أغسطس 2021 تبنيها سياسة جديدة في التعامل مع قطاع السجون، بدأتها بتغيير اسمه إلى قطاع الحماية المجتمعية، وتغيير مسمى السجون إلى «مراكز الإصلاح والتأهيل»، ومأمور السجن إلى «مدير المركز»، والسجين إلى «نزيل/ة»، فيما تم تسمية السجان/ة بـ«المشرف/ة».
تسارعت وتيرة تنفيذ السياسة الجديدة بعد ذلك، حيث افتتحت وزارة الداخلية في 28 أكتوبر 2021 سجن وادي النطرون، السجن الأكبر في مصر، ويضم ستة مراكز للإصلاح والتأهيل، مع حملة إعلامية غير مسبوقة لمزايا السجن الجديد، الذي قالت الداخلية إن موازنة الدولة لن تتحمل تكلفته، لأن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون الـ12 العمومية المقرر إفراغ سجنائهم فيه تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز.
وحددت الداخلية السجون التي سيتم إغلاقها: استئناف القاهرة، ليمان طرة، القاهرة بطرة، بنها، الإسكندرية، طنطا العمومي، المنصورة، شبين الكوم، الزقازيق، دمنهور القديم، معسكر العمل بالبحيرة، المنيا العمومى، موضحة أنها تمثل 25% من إجمالي عدد السجون العمومية في مصر. وافتُتح المركز الذي يضم ستة سجون عمومية حتى قبل نشر الجريدة الرسمية لقرار وزير الداخلية بإنشائه بقرابة شهرين.
وأتبع وزير الداخلية قراره بقرار آخر في 15 ديسمبر الماضي بإنشاء مجمع سجون بدر الذي يضم ثلاثة مراكز إصلاح وتأهيل (سجون عمومية)، وهو ما تم تنفيذه خلال أسبوعين بافتتاحها مجمع سجون بدر في نهاية ديسمبر الماضي، وإعلانها إفراغ ثلاثة سجون به لم يتم تحديدها بشكل رسمي.
الحملة الإعلامية التي صاحبت افتتاحه نهاية العام الماضي تضمنت لقطات من داخل غرف الاحتجاز المزودة بشاشات لعرض مباريات كرة القدم، ومطاعم مُجهزة، ومستشفى به مختلف التخصصات وأحدث الأجهزة، وغُرف للموسيقى والرسم والتعليم، بالإضافة إلى مسجد وكنيسة مكيفين وملاعب لكرة القدم. إلا أن شكاوى متعددة أشارت إلى واقع مختلف عند انتقال السجناء إليه، والذي استمر إلى بداية أكتوبر الماضي.
تم تقسيم مركز الإصلاح والتأهيل بـ«بدر» إلى ثلاثة سجون: الأول «بدر1» وخُصص للسجناء السياسيين والجنائيين، و«بدر2» للسيدات، و«بدر3» للسياسيين الإسلاميين.
وبحسب المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، انتقلت مئات النزلاء من سجن طرة شديد الحراسة1 «العقرب» إلى سجن بدر3 في الأسبوع الأول من أغسطس الماضي.
وأضاف العطار لـ«مدى مصر» أن أهالي النزلاء أكدوا اختلاف معاملة الحراس معهم وأنها باتت «أكثر آدمية»، لكن هذا لا يعني اختفاء الانتهاكات التي بدأت بأن مدة الزيارة تراوحت ما بين 10-15 دقيقة فقط، بالإضافة إلى منع الزيارة عن غالبية النزلاء.
المحامية هدى عبد الوهاب، التي تحضر جلسات تجديد الحبس في محكمة بدر القريبة من مجمع سجون بدر، أوضحت أن أهالي عدد من نزلاء «بدر3» طالبوها بتقديم شكاوى إلى النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان لاستمرار معاناتهم مع منع الزيارة حتى بعد الانتقال إلى السجن الجديد، لتمكينهم من زيارة ذويهم المحبوسين، لافتة إلى أن هناك مساجين لم يسمح لأسرهم بزيارتهم منذ أكثر من خمس سنوات.
ولفتت إلى أن أحد سجناء «بدر3» هدد بالانتحار أمام القاضي خلال جلسة تجديد حبسه بالفيديو كونفرانس في 23 أكتوبر الماضي بسبب ظروف احتجازه، موضحة أن السجين قال للقاضي إنه محبوس احتياطيًا منذ ثلاثة سنوات ولم يرَ أيًا من أهله.
ويؤكد العطار استمرار انتهاكات أخرى، كمنع إدخال الكتب واستلام وتسليم الخطابات والحرمان من التريض، وكذلك منع إدخال الأطعمة والأدوات الشخصية.
إلى جانب هذه الانتهاكات المعتادة، واجه السجناء انتهاكات جديدة استُخدمت فيها تجهيزات السجون الجديدة، أحالت حياة عدد كبير منهم إلى جحيم مستمر، مما دفع عدد غير محدد منهم إلى الإضراب عن الطعام ورفضهم استلام التعيين نهاية الشهر الماضي، اعتراضًا على أوضاع الاحتجاز التي وصفوها بأنها «أسوأ من سجن العقرب»، بحسب العطار، نقلًا عن رسائل وصلت إلى أسر مساجين من داخل السجن.
أوضح العطار أن إدارة السجن تتعمد تكدير المساجين والتحكم في كل تفاصيل حياتهم من خلال الكاميرا والميكروفون، مشيرًا إلى أنه يتم إيقاظهم في الصباح الباكر بالميكروفونات، وكلبشة كل من في الزنزانة عن طريق فتحة باب الزنزانة قبل فتح الباب لخروج ولو سجين واحد لحضور جلسة محاكمته أو تجديد حبسه. إلى جانب هذا، تعمل كاميرات المراقبة 24 ساعة في اليوم، مع استمرار الإضاءة القوية. على سبيل المثال، في حال تعليق أي سجين ما يشبه منشر الغسيل لنشر الملابس عليه يقوم السجان بالنداء عليه عبر الإذاعة الداخلية لإزالته.
أضاف كذلك أن كمية التعيين (الغذاء) قليلة، فضلًا عن صرف زجاجة مياه واحدة أسبوعيًا لكل سجين، والكانتين الموجود بالسجن به منتجات محدودة.
إلى جانب هذا، يتعرض السجناء لانتهاكات أخرى خلال جلسات تجديد حبسهم. على الرغم من أنه لا يفصل سجن بدر عن محكمة بدر التي تنظر جلسات تجديد حبس ومحاكمة المتهمين في قضايا إرهاب سوى سور كما كان الوضع خلال وجودهم في طرة، إلا أن إدارة سجن بدر3 لا تنقل السجناء إلى المحكمة، وإنما يتم نظر جلسات محاكمتهم أو تجديد حبسهم عبر الفيديو كونفرانس.
وبحسب عبد الوهاب، يظهر المحبوسون في الفيديو بالكلبشات وهو أمر مخالف للقانون، لافتة إلى أن المحامين عادة يعترضون على هذا الأمر، فيطلب القاضي من الضباط فك الكلابشات خلال الجلسة. كذلك تتمثل المخالفة الأبرز في عدم سماح بعض الدوائر القضائية للمتهمين بالحديث، موضحة أنه بسبب ظروف المحاكمات الإلكترونية وما تتطلبه من وقت طويل، يقوم بعض القضاة بإثبات حضور المتهمين بمجرد ظهورهم على الشاشة ونطق أسمائهم ورقم القضية المتهمين فيها، وبعدها يغلق الشاشة ويستكمل الجلسة، لافتة إلى أنه عند اعتراض المحامين وتهديهم بالانسحاب من الجلسة، ومطالبتهم بالسماح للمتهمين بالحديث، رد عليهم القضاة بتخييرهم «المحامين أو المتهمين يتكلموا.. هلاحق على كل الناس ازاي».
وعلى الرغم من أن ظروف الاحتجاز في سجن بدر1 تبدو أفضل من مثيلتها في «بدر3»، إلا أنها تظل أسوأ مما كانت عليه في سجن طرة، بحسب عدد من المحامين وأهالي المحبوسين.
يقول حذيفة عبد المنعم أبو الفتوح، نجل المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية، لـ«مدى مصر»، إن والده كان محبوسًا في زنزانة انفرادية بسجن المزرعة بطرة. وعندما نُقل في الأول من أكتوبر الماضي إلى سجن بدر1 تم إيداعه زنزانة انفرادية أيضًا، مع الفارق أنه في طرة كان ينام على سرير ومرتبة طبية في غرفة بها كرسي وترابيزة صغيرة، وكانت الزنزانة داخل عنبر موجود به كثير من السجناء السياسيين ويستطيع من خلال «النضارة» رؤيتهم والحديث معهم.
أما في «بدر1»، ينام أبو الفتوح في غرفة أوسع، لكن على مرتبة عادية في مكان معزول لا يسمع ولا يرى أحدًا، تحت إضاءة قوية جدًا، وكاميرا مراقبة تعمل 24 ساعة يوميًا، ونوافذ مفتوحة (قضبان حديد تطل على الخارج وعلى الممر بين الزنازين مغلقة بسلك)، مضيفًا أن إدارة سجن طرة وقت النقل رفضت اصطحاب المساجين أدواتهم وملابسهم، وظل والده بالملابس التي انتقل بها «بنطلون وتيشيرت بنص كم» لمدة 12 يومًا حتى سمحت إدارة سجن بدر بإدخال عدد محدود من الملابس وبطانية واحدة وملاءة وغلاية مياه، مضيفًا أن «إدارة السجن رفضت دخول بطانية ثانية وطاقية وجاكت وبلوفر وهو حاسس ببرد شديد».
وفيما يتعلق بالتريض، قال حذيفة إن إدارة سجن بدر سمحت لوالده بالتريض بعد انتقاله بأسبوعين، لمدة ساعة ونصف يوميًا.
كذلك تغيرت الرعاية الطبية التي يحصل عليها أبو الفتوح. أشار حذيفة إلى أنه في طرة كان هناك متابعة طبية يومية، حيث يمر طبيب على الزنزانة ويقيس الضغط والسكر، لكن بعد الانتقال لـ«بدر» أصبح والده يعتمد على نفسه وعلى الأجهزة الطبية الموجودة معه في القياس، مشيرًا إلى أن إدارة السجن أبلغته في 20 أكتوبر الماضي بأنه سيتم عرض والده على استشاريين في أمراض القلب، «لكن حتى آخر خطاب تسلمناه في 14 نوفمبر الجاري لم يحدث»، يقول حذيفة، رغم إجراء فحص بالموجات الصوتية على القلب لأبو الفتوح في الأول من الشهر الجاري داخل المركز الطبي بالسجن وإخباره من الطبيب الذي أجرى له الفحص شفهيًا بأن هناك ضعفًا في عضلة القلب وفي معدل تدفق الدم لها. ورغم ذلك، لم يتم عرضه على استشاري القلب، ولم تتم الاستجابة لمطالب إجراء عملية جراحية في البروستاتا وعرضه على استشاري المسالك والباطنة لعلاج ارتفاع السكر من وقتها.
وعلى غرار ما كان يحدث في طرة، سمحت إدارة سجن بدر1 لأسرة أبو الفتوح بزيارته، لكن من خلال حاجز زجاجي. وبحسب حذيفة، غالبية السجناء بـ«بدر1» يسمح لهم بالزيارة دون حاجز زجاجي، «بيشوفوا بعض ويقعدوا جنب بعض»، باستثناء والده ونائب رئيس حزب مصر القوية، محمد القصاص، مضيفًا أن إدارة السجن تسمح لهم بالزيارة في كابينة من وراء حاجز زجاجي، والكلام من خلال سماعة تليفون لمدة نصف ساعة، وتبادل الخطابات مرة أو مرتين أسبوعيًا. وحتى عندما تعرضت زوجة القصاص إلى أزمة تنفس بسبب ضيق الكابينة المخصصة للزيارة، لم تسمح إدارة السجن لها بالزيارة خارجها.
نجل أبو الفتوح أشار إلى أن «بدر1» به إمكانيات أفضل من طرة، لكن إجراءات تجهيزه لم تنته. وحتى آخر زيارة لوالده في 7 نوفمبر الجاري، لم يُفتح كانتين السجن بشكل كامل، ولم تبدأ مغسلة السجن العمل، لافتًا إلى أنه وقت احتجاز والده بطرة، كانت هناك ثلاجة في العنبر الذي تتواجد به زنزانته لحفظ الطعام، وكان يستطيع أن يحفظ فيها طعامه، ولكن في «بدر» الزنزانة ليس بها شيء سوى المرتبة وكرسي متهالك.
لكن، المعاناة تمتد لتشمل الجميع حتى خارج الزنازين الانفرادية. وصف سامر ظروف الاحتجاز في الزنازين العادية بسجن بدر1 بـ«الأسوأ من مثيلتها» في السجون التي احتُجز بها خلال سنوات حبسه السابقة.
وأضاف سامر أنه عقب وصوله إلى سجن بدر1 في الأول من أكتوبر الجاري، سكّنته إدارة «بدر1» وتسعة آخرين بزنزانة في الدور الثالث في مبنى مكون من أربعة طوابق، مساحتها حوالي أربعة أمتار طول ومثلها عرض، مضيفًا أن المساحة المخصصة لكل سجين هي مساحة المرتبة الخاصة به، حيث تخلو الزنزانة من الأسرّة، ونصيب كل سجين بها مرتبة ومخدة وكيس بلاستيك يضع به أغراضه، وأن الزنزانة بها حمامين، وكاميرا تكشف جميع أركان الزنزانة باستثناء منطقة الحمامات.
بالإضافة إلى هذا، هناك مروحتان وأربعة شبابيك تقترب من السقف، الذي ثُبت به سبعة كشافات كبيرة، كان يتم تشغيلها على مدار اليوم. ولكن بعد شكوى المساجين، تم تخفيض الإضاءة في المساء بإطفاء ستة كشافات في العاشرة مساءً وحتى السادسة صباحًا.
يرى سامر أن السجن الجديد يلعب على الحالة النفسية للسجين، حيث تنقطع علاقته بخارج الزنزانة، موضحًا أنه في كل السجون التي سُجن بها (طرة تحقيق، المزرعة بطرة، سجن برج العرب بالإسكندرية) كانت أبواب الزنازين بها «نضارة» فتحة كبيرة، مضيفًا: «كنا بنبعت لبعض الشاي والقهوة منها عن طريق الشاويش اللي واقف على الباب، وأحيانًا كنا بنطلب من الشويش أنه يخرج حد بره الزنزانة بشكل ودي ويسيبه يتمشى شوية في منطقة التريض لما نلاقيه مضايق أو زعلان لأن السجن كله كان دور واحد أو دورين بالكتير».
يشير سامر إلى أنه في عنابر سجون طرة كان يوجد مطبخ به سخانات كهرباء يستخدمها المساجين في الطبخ وتسخين الطعام، وكان هناك ثلاجة أو ديب فريزر، ولكن في «بدر» الزنازين ليس بها سوى المراتب. وفي ظل عدم فتح الكانتين حتى خروجه من السجن، يعتمد المساجين بشكل أساسي على الوجبات التي يحضرها الأهالي في الطبلية، خصوصًا وأن السجن يقدم وجبتين فقط في اليوم للسجين (فطار وغداء) بكميات قليلة، رغم أن جودة الطعام ومذاقه في «بدر» أفضل من طرة، بحسب سامر.
يضيف سامر أنه في «بدر1»، «كل حاجة إلكتروني، الكاميرا شغالة 24 ساعة وبيكلمونا إلكتروني، كأننا عايشين في جوانتانامو، معزولين عن كل حاجة»، مشيرًا إلى أنه خلال وجوده في السجن «شعر أحد السجناء بتعب، وكان محتاج حقنة فطلبوا انهم يدولوا الحقنة من فتحة سفلية في باب الزنزانة يتم فتحها لإدخال الطعام منها، وذلك لأن عيادة السجن وقتها لم تكن بدأت عملها». أضاف أنه وزملائه اعترضوا، فطالبهم الضابط بإخراج أيديهم من تلك الفتحة واحدًا تلو الأخر ليقوم بكلبشة كل من في الزنزانة، وبعدها فتحوا الباب وأعطى الممرض للسجين الحقنة، موضحًا أنه على الرغم من أن معاملة الحراس والضباط في السجن أكثر آدمية مما كانت عليه في سجن طرة، إلا أنها تكون في أضيق الحدود، حيث «يتعاملون معنا من خلف الجدران».
ويشير سامر إلى أنه كان متضررًا من وجود الكاميرا، واشتكى لأحد ضباط السجن من الأمر، وقال له إنه غير قانوني وانتهاك للخصوصية، والأخير وعد بإيصال شكواه، لكن دون جدوى، مشيرًا إلى أن بعض المساجين سُمح لهم بإحضار راديو معهم خلال النقل من طرة، ولكن بسبب عدم وجود شبكة لم تعمل أجهزة إلا قبل خروجه من السجن بيومين، وكان يسمع عليه إذاعة BBC من 8 حتى 10:30 مساءً.
في مواجهة تلك الشكاوى، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولاء جاد الكريم، إن المجلس تلقى عددًا من الشكاوى من أهالي المحبوسين بمركز الإصلاح والتأهيل ببدر، وتم إرسالها إلى النيابة العامة ووزارة الداخلية للرد عليها، وننتظر ردهم، منها شكاوى تخص الكاميرا والإضاءة والأسلاك في منطقة التريض، والسباكة في الزنازين، والظروف المعيشية، وشكاوى منع الزيارة في سجن بدر3، لافتًا إلى أن مركز الإصلاح والتأهيل ببدر حديث جدًا، وكثير من الشكاوى منه بسبب ارتباك ما بعد النقل، لافتًا إلى أن المجلس زاره مرتين منذ بدأ انتقال السجناء إليه في مارس الماضي، لافتًا إلى أنه فيما يتعلق بالزيارة، القانون نظم منعها عند وجود دوافع أمنية أو غيره.
في المقابل، قال المحامي خالد علي إن ظروف الاحتجاز في السجون الجديدة، سواء وادي النطرون أو بدر واحدة، مفسرًا لـ«مدى مصر» أن كثرة الشكوى من «بدر» في كونه يضم غالبية السجناء المدنيين المحبوسين في قضايا سياسية، بعكس سجن وادي النطرون، الذي لا نعرف من السياسيين فيه سوى علاء عبد الفتاح، وغالبية سجنائه من الإخوان والجنائيين.
وأوضح علي أنه رغم أن شكاوى المحسوبين من التيار المدني تنتشر أسرع، إلا أن النظام واحد في السجنين، لافتًا إلى أن أسرة أسرة علاء عبد الفتاح نقلت شكواه من الكاميرا وشدة الإضاءة في مايو الماضي عند نقله من طرة إلى مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، وهذا يعني أن «السيستم واحد، لكن شكوى الموجودين في بدر تصل أكثر لأن جميع المساجين السياسيين في طرة تم نقلهم إلى بدر فكل الأهالي ولادهم بقى عندهم نفس الشكوى في وقت واحد».
وقال علي إن إدارة «بدر» ما زالت في مرحلة ارتباك ما بعد النقل من طرة، وأن الأمور ستستقر مع الوقت، مشيرًا إلى أنه علم بعد إقامته دعوى قضائية نيابة عن البرلماني السابق، زياد العليمي، الذي كان محبوسًا قبل إصدار قرار جمهوري بالعفو عنه الشهر قبل الماضي، لإلزام سجن بدر بتخفيف الإضاءة في الزنازين في المساء، باستجابة السجن للطلب، مضيفًا أنه على إدارة السجن أن تلتزم بلائحة السجون وتسمح للمساجين بإجراء مكالمات تليفونية مع ذويهم، والسماح لهم بالزيارة لمدة ساعة وليس ربع أو ثلث ساعة فقط كما يحدث الآن، حتى تتحسن ظروف الاحتجاز بشكل حقيقي في تلك المراكز.